في ذكرى إعلان الاستقلال… حلم الدولة حيّ لا يشيخ

بقلم :م.محمد علي العايدي

في الخامس عشر من تشرين الثاني عام 1988، خرج صوت فلسطين من الجزائر ليعلن قيام دولة فلسطين فوق ترابها الوطني. كان ذلك الإعلان لحظة تاريخية مفصلية في مسيرة شعبٍ يناضل منذ عقود من أجل الحرية والكرامة والوجود. ورغم أن هذا الاستقلال لم يتحقق بعد على الأرض، إلّا أنّ قيمته السياسية والرمزية لا تزال تتجدد كل عام، لتذكّر العالم بأن فلسطين ليست قضية منسية، وأن شعبها لم يتراجع يومًا عن حقه الثابت في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس.

لقد واجه الشعب الفلسطيني منذ الإعلان وحتى اليوم سلسلة طويلة من التحديات: الاحتلال بممارساته، الاستيطان الذي يلتهم الأرض، والحروب التي تستهدف الإنسان والحجر، إضافة إلى الضغوط السياسية ومحاولات فرض الحلول المجتزأة. ومع ذلك، بقي الفلسطيني متمسكًا بحقه، ثابتًا على موقفه، يدافع عن هويته الوطنية وعلى رأسه قيادة حكيمة تحرص على حماية القرار الوطني المستقل والسير بخطى مدروسة رغم تعقيدات المشهد الإقليمي والدولي.

إن ذكرى الاستقلال ليست مجرد مرور تاريخي، بل محطة لمراجعة المسيرة وتجديد العهد، وللتأكيد أن القضية الفلسطينية ما زالت حية في الوعي العربي والدولي رغم محاولات التهميش. فالشعب الفلسطيني أثبت في كل الميادين—من الانتفاضات إلى المقاومة الشعبية والدبلوماسية الدولية—أنه قادر على فرض حضوره، وأنه يمتلك من الإرادة ما يكفي لانتزاع حقوقه مهما طال الزمن.

ورغم أن الدولة الفلسطينية لم تُجسَّد بعد على أرض الواقع، فإن مقوماتها باتت موجودة: اعتراف دولي واسع، مؤسسات وطنية تعمل رغم الصعاب، وإجماع شعبي موحّد على الثوابت. وهذه المقومات هي ما يجعل حلم الدولة ليس مجرد شعار، بل مشروعًا سياسيًا متدرجًا يترسخ عامًا بعد عام، بفضل نضال الشعب ووعي قيادته وصمودها في وجه الضغوط.

إن ذكرى إعلان الاستقلال تأتي هذا العام في ظل ظروف سياسية شديدة التعقيد، وحرب مفتوحة على شعبنا، ومحاولات لفرض واقع جديد على الأرض. لكن هذه التحديات، بدل أن تُضعف الإرادة الفلسطينية، تزيدها صلابة وإصرارًا. فالشعب الفلسطيني يدرك أن النضال المستمر هو وحده الطريق نحو الحرية، وأن الشرعية الوطنية التي اكتسبها عبر العقود لن تُسلب طالما بقي متمسكًا بحقوقه ومؤمنًا بعدالة قضيته.

وفي هذه الذكرى، نعيد التأكيد أن استقلال فلسطين ليس حلمًا بعيدًا، بل حقٌ يتقدم نحو التحقق مهما طال الزمن. وأن الشعب الفلسطيني بقيادته الحكيمة سيظل يقاتل في كل الساحات، السياسية والدبلوماسية والميدانية، حتى يُرفع العلم الفلسطيني فوق القدس وتُترجم كلمات إعلان الاستقلال إلى واقعٍ يعيش فيه الشعب الفلسطيني حرًا على أرضه.

فالتاريخ يُعلّم أن الشعوب التي تناضل لا تُهزم، وأن فلسطين—برغم الجراح—ما زالت أقرب من أي وقت مضى إلى لحظه الحريه