في ذكرى السقوط في سوريا، والنصر القادم

بكر أبوبكر

سقط نظام الأسد ولم يكن على سقوطه من أسف، إلا لمن كان النظام حاضنة لخطاياهم وأكاذيبهم وكل أفعالهم القبيحة سواء ضد الشعب السوري، أو ضد شعوبهم وقضيتهم من أمثال بعض الفصائل الفلسطينية بالوكالة في الشام، وغيرها.
سقط النظام في دمشق قبل أن يدرك بشار أن عرشه قد مُرّغ التراب، وأن إرثه قد تحول الى رماد في ثوانٍ بعد أكثر من 50 عامًا من التعامل الفظ والدموي مع الشعب السوري الصامد الذي لا ينسى حجم الألم المقترن بالقتل والسجن بكابوس لم يستطع أن يصف مثله الروائي الروسي الشهير “فيودور ديستويفسكي” في رائعته الشهيرة عن سجنه في سيبيريا المعنونة “بيت الموتى” أو ملاحظات من البيت الميت.
تلاعب النظام مع الدول المحيطة تحت مظلة أنه يمثل المقاومة أو الثورية أو العصر التقدمي في المنطقة فحمل هراوة التقدمية الاشتراكية! ضد المعارضين السوريين وضد الفلسطينيين حيث اخترق ملعبهم واستقلاليتهم فاستحكم العداء بينه وبين الزعيم الراحل ياسر عرفات أبوالوحدوية والاستقلالية معًا في معادلة القرار.
حافظ الأسد الحاكم الذي انقلب على حزبه وأمسك البلاد بيد من حديد ونار، كان لاعبًا شرسًا يُحسب له حساب بالمنطقة بلا شك، رغم هيمنته على لبنان والقرار الفلسطيني ومحاولات مد نفوذه للدول المجاورة الى أن استلم أبنه فأضاع إرثه ما بين الجُمَل المدبجة بالسجع الفارغ لمحاضر يتعامل مع جماهير لا تفهم ما يقول، وإن فهمته فإن أفعاله تتناقض مع كل دعواته بالإزدهار المأسوف على شبابه!
وفي ليله افتقد فيها القمر بريقه سقط الأسد الذي كره اسم الأسد!؟ وفر خارج البلاد وعادت الشام لأهلها وأصبح حق العودة لكل المشردين والمهاجرين لأصقاع العالم متاحًا للجميع.
في 8/12/2024 كان السقوط المدوي وبدت تظهرحجم جرائم النظام بحق أهل البلاد من جهة وضد الأجوار من سوريا وفلسطين ولبنان وغيرها، وحيث حاول النظام أن يكون هو نظام الرجال في مقابل من أسماهم الأسد الابن “أشباه الرجال”! حين تغنى بانتصارات غيره ممن حموُه وحين جدّ الجد كان عليهم يتهكم، وفر تاركهم وراء ظهره.
انفتحت البلاد على نظام جديد يؤخذ على قائده تاريخه السابق في العمل الاسلاموي العنيف سواء بالعراق ضد الامريكان أو في سوريا، ولكن الصورة ليست بحجم السواد الذي يرسمه الإسرائيلي المحتل للنظام، ولا هي بحجم البياض المطلوب والمأمول ما يحتاج لمساحة ديمقراطية واسعة وتشاركية داخل البلاد تحافظ على التماسك العشائري والقومي والطائفي. فكل طوائف سوريا وقومياته هي هنا منذ فجر التاريخ وستظل ولتراب سوريا وفيّة. وليس من المعقول أن تكون وفيّة لا للإسرائيلي الذي مازال للجولان محتل، ولا للتركي رغم دعمه، ولا للإيراني ومليشياته الذي جعل سوريا ملعبه للقتل تحت مظله الطائفة.
إن الانفتاح السوري على الأمريكان بالجهود السعودية الجبارة قد أضر الفكر التوسعي الإسرائيلي الذي كان يتحجج بالعداء و(محور الشر) ليكرس الهيمنة الاقليمية، ورغم أنه مازال عدوانيًا توسعيًا لا يمل اختلاق الذرائع في فلسطين ولبنان وسوريا الا أنه كنظام متطرف وتوسعي وإرهابي قاتل قد انكشف للعالم أجمع لاسيما بعد 17/10/2023 ومذبحة المستشفى المعمداني في غزة، وما تلاها من إبادة جماعية صهيونية لم يحصل مثلها بالتاريخ، وبعد دمار ومقتلة لم تحصل بالعدد الحاصل الا مرة واحدة قبل 80 عام تقريبًا حين غزا النازي بولندا فقتل من مواطنيها اليهود والمسيحيين وغيرهم ما يقرب 20% وفي غزة تعتبر المرة الثانية بالتاريخ الحديث!
عن المعتقلات في سوريا في عهد الأسد الأب والابن كتب مصطفى خليفة روايته التي تقشعر لها الأبدان المسماة القوقعة عن تدمر، ورواية نسائم الربيع، ورواية طيور العتمة لماجد سليمان، ورواية “بالخلاص يا شباب 16 عامًا في السجون السورية” لياسين الحاج صالح وغيرهم من الكتاب الكُثُر، وما يضاهي أدب السجون في المعتقلات الإسرائيلية ومن كتب فيه أمثال محمود درويش ومعين بسيسو وسميح القاسم، وعلي الخليلي، والمتوكل طه وعائشة عودة، و أبوعلي شاهين، وجبريل الرجوب وعيسى قراقع، ووليد الهودلي، وفاضل يونس، وكفاح حطاب، وياسر أبوبكر، وراتب حريبات وقتيبة مسلم…والعشرات.
وفي كل السجون سواء أكانت في روسيا دوستويفسكي أو غوانتنامو أمريكا او عند الإسرائيلي أوفي سجون نظام الأسد سوريا أو في أي دولة، فإن المعاناة الانسانية أكبر من حجم الأنظمة وتتفوق عليها وستنفر نفرة واحدة ضد النظام، وكما حصل في شامنا.
إن المنطقة الشامية أو السورية الكبرى شمال جزيرة العرب (فلسطين والأردن ولبنان وسوريا الحالية) قد خضعت بحقيقة الأمر للهيمنة الإسرائيلية بشكل مباشر أو غير مباشر(وبالتواطؤ الامريكي) وهي بهذه الحالة أدعى لأن تصلح الثوب، ثوبها أولًا وتنفتح على كافة مكوناتها القبلية والقومية والطائفية لأنه بوحدتها ضمن النظام الديمقراطي التعددي تستطيع أن تجتاز الغمّة، لتمد اليد فلا تظل يد الإسرائيلي هي الطولى بالمنطقة فقط.
إن ذكرى سقوط الطغيان في سوريا يجب أن تذكرنا دومًا بأن للظلم نهاية سواء أكان استخرابًا (استعمارًا) أو احتلالًا فاشيًا كما في فلسطين أو نظامًا حاقدًا وظالمًا، ومن هنا كانت الآية الكريمة في سورة الحج: (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا ۚ وَإِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (39) الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِم بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ ۗ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40))، لذا وجب صناعة الأمل ليس بالشعارات، وإنما بالنضال بكافة أشكاله والقدرة على تخيّر الوسيلة مع ثبات الهدف، ولنا في فلسطين النصر القادم بإذن الله.
لا يغيب عن الذهن قط أن انخراط الشعب الفلسطيني في مؤتمرعام للمراجعة الحقيقية لمآسي ما بعد مذبحة المستشفى المعمداني في غزة، وفي ظل بوادر ضم الضفة والخراب في فلسطين، تحتاج لفصائل تحترم نفسها، وتعي حجم الخطايا التي ارتكبت بحق الناس، وحجم الدمار الذي قتل الشعارات البراقة، والتي تبخّرت في أتون العدوان الإرهابي الصهيوني والنكبة الثانية والإبادة الجماعية. فهل من يستمع وهل من يفيق!؟