في عدو يخدم الاحتلال أكثر من صديق!

بقلم: علاء ابو النادي

لا أستطيع تفهم الذين يريدون الوقوف مع النظام الإيراني أو الفرح به، ويخوضون في التزام من يرى فيه عدو، وإن ليس الأول أو الثاني، بقضيته وهويته ووطنيته وفي رؤيته للاحتلال الصهيوني على أنه التناقض الرئيسي وفي ترتيب أولوياته الدينية والقومية والوطنية !

لا أخوض ولا أشكك في إخلاصهم للوطنية الفلسطينية ومنطلقاتها ومصالحها، إنما أحاول فهم دوافعهم عبر قراءة ما استطيع من كتاباتهم ومواقفهم، وإلى الآن لا أجد فيها أكثر من سببين، الأول “عدو عدوي صديقي” كما يقولون، والثاني، “هزيمة إيران توسع في هيمنة الاحتلال والغرب على منطقتنا”.

وكأن إيران، الشاه أو المرشد، ليست عدو، وإن ليس الأول، لمشروعنا الوطني الفلسطيني ولسياساتنا ومقوماتنا لصمود وبقاء شعبنا على أرضنا المحتلة، ففي عهد الشاه كانت شرطي الاستعمار وعصاته، وفي عهد المرشد وظفت الإخونج ومن ثم انقلابهم، وغيرهم من الأدوات، ضد قرارنا الوطني وهويتنا الفلسطينية وقوميتنا العربية بحجة محاربة الاحتلال الصهيوني، التي تستلزم منها كما تثبت أفعالها على الأرض، شطب م ت ف والسيطرة على عواصم عربية !

وكأن هيمنة الاحتلال والاستعمار على المنطقة ينقصها أو يحد منها شيء، حتى قبل إسقاط أدوات النظام الإيراني بحجة “السابع من أكتوبر” المشبوه. وإن قلنا أن معهم بعضا من حق في هذا، فمن الذي يتسبب بالتعاظم الذي يتحدثون عنه يا ترى؟ أليست سلبية النظام الإيراني بينما تُسحَق أدواته التي وصفها بالحلفاء أمام عينيه الواحدة تلو الأخرى إلى أن جاء دوره فجعلوا منه عبرة ؟ ألا يفهمون أن الاحتلال والأمريكان يستوعبون اضطراره لتبني “السابع من أكتوبر” حفاظا على صورة كذابة في عقول هؤلاء وغيرهم؟ وبالتالي ألم يكن جُبنه عن حماية أدواته أو عن التبرؤ مما يعرف أنه سيرتد عليه في وقت ما إلى جانب سوء تقديره لواقعه وقواه الذاتية أهم أسباب تعرضه لهذه الضربات القاسية وبالتالي لتعاظم هيمنة الاحتلال والاستعمار؟

هنا تخطر على بالي بضعة أسئلة أخرى بناء على منطقهم هذا، ألم يؤدي إسقاط نظام الأسد في سوريا إلى تعاظم هيمنة الاحتلال والاستعمار، فلماذ إذا فرح معظمهم بذلك واحتفلوا به؟ وبماذا يختلف نهج النظام الإيراني وعقليته التوسعية ورؤيته للوطن العربي واستخدامه الأدوات للتخريب عن نهج وعقلية وسلوك ورؤية الاحتلال وجميع القوى ذات الطموح الاستعماري؟!

في ذات السياق، ألم يكن دعمه للانقلاب في غزتنا ومن قبله دعم محاولات تصفية هويتنا وسلبنا قرارنا الوطني، عبر محاربة م ت ف بأيادي الإخونج وغيرهم سببا مباشرا فيما تعاني منه قضيتنا منذ زمن طويل، وفي صناعة فرصة الاحتلال الجديدة بقيادة المجرم نتنياهو للتطهير العرقي في فلسطيننا والتهجير بدءا من غزتنا؟ ألا يؤدي ذلك لتقوية هيمنة الاحتلال على قضيتنا؟

فكيف يمكن لهؤلاء، أصحاب الأخلاق والأولويات السليمة كما يقولون، تجاهل هذا واعتباره أمرا ثانويا ومطالبتنا بتبني موقفهم وازدواجية معاييرهم، لمجرد أن إيران ترد على ما يفعله بها الاحتلال والأمريكان ومن معهم بلا أي أساسات للثقة أو مخططات مدروسة وفهم كافي أو أمل؟

فَـ بالله عليكم، أي عدو أفضل للاحتلال من عدو كالنظام الإيراني، يتقاطع معه في أهدافه في فلسطيننا المحتلة ووطننا العربي المُنهك، ويخدمه بسلوكه كما يخدمه التطبيع المجاني أو أكثر؟! وإلى متى يريدون منا الوقوف مع الذين يعملون ضدنا دوما ولم يكونوا يوما صادقين ولا أبطالا ؟!

في النهاية، وبرأيي، الضعيف وصاحب القناعة المُهتزَة هو المُضطر لإثبات أن الاحتلال الصهيوني يمثل تناقضه الرئيسي وعدوه الأول. أما من يبني مواقفه على بوصلة ومسطرة وأولوية وطنية فلسطينية فلا يخاف من قطعان الدهماء والزومبي والارهاب الفكري، ويقول بصوت عالي دون الاكتراث بما يقول هؤلاء ويظنون،  أن النظام الإيراني، وأمثاله، عدو يخدم تناقضنا الرئيسي، الاحتلال، أكثر من صديق ! ويبدو أن أوان تغيير الاستعمار لطريقة وأهداف توظيفه قد آن، في ظل الواقع العالمي المستجد.

 

22 \ ذو الحجة (12) \ 1446 للهجرة