في غزة.. حين تنكسر الكاميرا وتبقى الحقيقة تنزف!!

بقلم : د. منى ابو حمدية

في غزة، لم يعد الرصاص يميز بين طفل يصرخ تحت الركام،

أو أم تبحث عن أبنائها، أو صحفي يحمل كاميرته شاهدا على الحقيقة

والآن .. سقطت الكاميرا أرضا، تحطمت عدستها، وتلطخت بدم صاحبها،

لتكتب بكسورها حكاية أبشع من كل الصور: “دم الصحفيين .. الحبر الأخير لفلسطين!

فالاحتلال يخشى الكلمة أكثر مما يخشى السلاح فيسعى لاغتيالها

استُهدِف الصحفيون لأنهم مرآة المأساة،
ولأن أصواتهم أقوى من جدران الحصار

لم تمنعهم المخاطر من المضي قدما نحو خطوط النار
لكن رصاص الغدر لم يمهلهم!

رحلوا، وتركوا خلفهم الكاميرات مضرجة بالدماء

لتشهد أن الحقيقة لا تقتل، حتى لو كسرت العدسة

كل صحفي يسقط شهيدا في غزة هو شاهد اغتيال مزدوج: اغتيال الإنسان، واغتيال الحرية

لكن دمهم صار مدادا جديدا، يكتب الحكاية ويمنحها حياة أخرى.

فكل كاميرا مكسورة.. تتحول إلى عين مفتوحة في ذاكرة الإنسانية، لا تغلق أبدا.

اليوم، تبكي غزة شهداءها الصحفيين كما تبكي أبناءها جميعا،

لكنها تدرك أن الحقيقة ستبقى تنزف من بين الشظايا،

وستظل أقوى من صمت العالم!

ففي غزة، حين تنكسر الكاميرا، ينهض الدم ليصير صورة أبقى من كل الصور،

وصرخة لا يمكن أن تسكتها آلة الحرب!

أيها العالم، أما آن لضميرك أن يستيقظ؟

أما آن لعدساتك المرفهة أن ترى ما تراه عدساتنا المضرجة بالدم؟

في غزة .. تقتل الحقيقة كل يوم، ويستهدف شهودها الواحد تلو الآخر،

فيما تكتفي قلوبكم البعيدة بالصمت أو ببيانات باهتة لا تداوي جرحا ولا تردع قاتلا.

نحن لا نطلب معجزات، بل نطلب فقط أن تترك الكلمة حية،

أن تسمح للكاميرا أن تلتقط المشهد دون أن تكسر،

أن يعطى للصحفي الحق في أن يكون عينا للإنسانية، لا هدفا لرصاص الغدر.

إن الحزن الذي يثقل صدورنا لا يحتمل،

لكن الأشد وجعا هو أن نشعر بأن دماء الصحفيين تراق على مرأى من العالم

وكأنها تفاصيل صغيرة لا تستحق الالتفات.

في غزة.. نناشدكم باسم الحقيقة التي ما زالت تنزف:

لا تتركوا الكاميرا تدفن مع صاحبها،

لا تسمحوا للرصاص أن يكتب الرواية الوحيدة.

إن كرامة الإنسان تهان كل يوم أمام عدسات مكسورة… وضمائر مطفأة!!

فأمدوا أيديكم، ارفعوا أصواتكم، دعوا الحكاية تصل كما أرادها أصحابها:

صرخة ضد الظلم، ونداء للحرية،

وشهادة على أن غزة لم تمت، وإن كان صحفيوها يسقطون شهداء واحدا تلو الآخر!!