في ليلة صافرات الإنذار

محمد علي طه

صافرات الإنذار تدوي وتملأ الفضاء رعبا وتحذر الناس من الدمار ومن الخراب ومن الحرائق ومن البنايات المنهارة.

صافرات الإنذار، سفير الموت يقول لك: دع كل شيء واهرب إلى الملجأ، إلى الغرفة المحصنة (إذا كنت محظوظا وتملك ملجأ أو غرفة آمنة محصنة).

صافرات الإنذار تخطف منك الفصل الجميل من الرواية الشائقة التي تقرأها وتطرد بطلها إلى المجهول وتسرق الوصف الإنساني والموقف الإنساني والعلاقة الإنسانية وحرفي الحاء والباء من عالمك.

صافرات الإنذار تخطف قهوتك وأغنيتك وموسيقاك وأزهارك وعصافيرك وصوت فيروز وحنجرة أم كلثوم ونداء الحياة في عيني حفيدتك الجميلة وتقول لك: كم أنت ضعيف أيها الإنسان!

صافرات الإنذار تسرق النوم من العينين والابتسامة من الوجنتين وتزرع الرعب في المحيا ولا تسمح لك بقراءة الفقرة التي تحبها ولا بسماع الأغنية التي تريدها.

لا شيء أقسى من الحرب وأوحش من الحرب وأسفل من الحرب.

لا سلطة للإنسان على الزلازل ولا على التسونامي ولا على انفجارات البراكين بل يقف عاجزا مذهولا مرعوبا أمامها وأمام عدائها للحياة إلا أن الإنسان نفسه هو الذي يشعل الحروب ويمطر المدن بالصواريخ وبالقنابل وبالدمار وبالخراب وبالموت.

ما أحقر الإنسان عندما يتحول إلى عدو للحياة.

نشر مواطن يهودي إسرائيلي على صفحته صورتين مخيفتين للدمار الذي نتج عن صاروخ أصاب حيا في إحدى المدن وكتب: هذه ليست إيران ولا لبنان ولا غزة ولا غلاف غزة. هذا هو مركز البلاد. هذه الحرب التي أشعلها الرجل الذي يعشق كرسيه.

يحب الإنسان الحياة ولا حياة بدون راحة بال، ولا راحة بال بدون الأمن والسلام، والمذيعة الحسناء تروي الآن من على شاشة التلفاز أن صافرات الإنذار دوت ثلاث مرات في هذه الليلة وهدمت الصواريخ عدة بنايات في المدن وانتشلت طواقم الإنقاذ أطفالا ورجالا ونساء من تحت الأنقاض.

هذا الدمار الذي أراه في جارتنا طمرة. وهؤلاء الناس أعرفهم. أعرف الأب وأعرف الجد وأعرف الخال وأعرف العم. أعرف الطمراويين من جبل الصنيبعة إلى بير الطيرة. أعرف آل الخطيب وآل سمارة وآل أبو الهيجاء وآل ذياب، العائلات الثاكلة، كما أعرف عائلات طمرة جميعها.

الخبر ليس عاديا بل مرعب ومخيف ومحزن ومؤلم.

الحزن كبير والألم كبير والموت كبير.

هؤلاء العنصريون الذين يفرحون لموت العرب، ويرقصون لموت العرب، ويهتفون فرحا لموت العرب ليسوا بشرا. فقد سلبت العنصرية إنسانيتهم وألقت بها في الجحيم.

هل سيعاقبون؟ ومن سيعاقبهم؟وما هو العقاب؟

أشك أشك أشك.

لا شيء أبشع وأقسى من الحرب سوى العنصرية التي تعري الإنسان من إنسانيته.

الحرب هي عدوة الحياة وعدوة النهار وعدوة الأزهار وعدوة العصافير وعدوة المطر وعدوة الحب.

الحرب عدوة قهوة الصباح وعدوة اللغة.

ذرفت الدموع على جيراني.

هؤلاء أهلي، وهؤلاء بناتي وحفيداتي.

اللعنة على الحرب وعلى عشاقها.

المجد للحياة والسلام.

المجد للزيتون والأزهار والعصافير والأطفال.