في يوم الميلاد..فلسطين تستعيد الفرح

بقلم: علاء مطر

أُضيئت شجرة الميلاد في بيت لحم والقدس وقطاع غزة وكل أنحاء فلسطين، هذا العام، بالأضواء والأنوار ووصايا الأنبياء، وأجراس الكنائس التي قرعت وترانيم الفرح التي صدحت، مع بابا نويل الذي وزع الهدايا على الأطفال النائمين، بعد عامين من استبدال كل ذلك بجندي إسرائيلي كان يوزع الرصاص على الأطفال في غزة والضفة والقدس، بعد عامين ثقيلين من الحرب، والدم، والدمار، والصمت القسري، عادت فلسطين لتحتفل بأعياد الميلاد، في مشهد يتجاوز كونه مناسبة دينية ليصبح رسالة إنسانية عميقة المعنى للعالم الظالم.

مر عامان على الفلسطينيين وهم يعيشون على وقع الخوف، وفقدان الأحبة، وغياب الفرح، حيث كانت الأعياد تمر بلا زينة، بلا أغان، وبلا ضحكات أطفال، احتراما للألم وحدادا على الأرواح التي رحلت، حيث لم يكن غياب الاحتفال خيارا ترفيهيا، بل ضرورة فرضتها قسوة الواقع، كانت الشوارع خالية من الأضواء، والساحات صامتة، والكنائس تكتفي بالصلوات الخافتة، فيما كانت فلسطين تنزف من شمالها إلى جنوبها. اختار الفلسطينيون الصمت، ليس لأنهم نسوا الفرح، بل لأن الجرح كان أعمق من أن يُزخرف.

نعم لقد احتفلت الطوائف المسيحية التي تعتمد التقويم الغربي بعيد الميلاد في قداس منتصف ليل 24-25 ديسمبر المقبل، وستحتفل أيضا الطوائف التي تتبع التقويم الشرقي في 7 يناير المقبل، لتحمل الاحتفالات هذا العام رسالة من بيت لحم وغزة فلسطين عامة إلى العالم كله مفادها أن السلام لا يزال ممكنا من أرض السلام.

التهاني لكل المسيحيين في العالم الذين أعادوا فتح كنائسهم بفلسطين التي ترنو إليها أبصارهم وقلوبهم، والتي أعيد لها الفرح بعد اختطافه لعامين، واطمئنانهم بأن مدينة الميلاد لن تُحوّل هذا العام إلى ثكنة عسكرية، ولن تستبدل أغاني الرعاة بأناشيد الشهداء، وألحان الترانيم بصوت الرصاص، فلقد عادت مدينة بيت لحم والقدس وحتى غزة الحزينة إلى أجوائها الاحتفالية بعيد الميلاد.

إن عودة قرع الأجراس، واضاءة الأشجار، ورفع الزينة في الشوارع، لا يمكن اعتباره إنكارا لما حدث، بل تأكيدا على أن الحياة أقوى من الموت، وأن الفرح شكل من أشكال الصمود، فالفلسطيني الذي عرف الحزن عن قرب، يعرف جيدا قيمة اللحظة التي يسمح فيها لنفسه أن يبتسم من جديد.

إن الفرح والاحتفال هو الخيار الوحيد الباقي أمام هذا الشعب المسالم، بعد أن تقطعت به السبل أمام كل المتفرجين على مقاعد السياسة والمشتغلين بها في هذا العالم الكئيب والظالم، فلا أحد تمكن من ارغام إسرائيل على السلام، فبدت مظاهر العيد مختلفة هذا العام في بيت لحم، مهد الميلاد، وفي القدس، ورام الله، وغزة وسائر المدن والبلدات، ليست صاخبة ولا مبالغا فيها، لكنها دافئة، صادقة، وتحمل روحا إنسانية عميقة، زينة بسيطة، تراتيل هادئة، ووجوه تحاول استعادة الإحساس بالحياة بعد زمن طويل من القسوة.

الحقيقة، أن عودة الاحتفال لا تعني أن الجراح شُفيت، ولا أن الألم انتهى، ولا أن الشهداء غابوا عن الذاكرة، على العكس، فإن العيد هذا العام يأتي محملا بالوجع والحنين، لكنه يحمل أيضا إصرارا واضحا على الاستمرار. فالفلسطيني لا يحتفل نسيانا، بل احتفالا بالحياة التي يحاول الاحتلال والحرب سرقتها منه.

تحتفل فلسطين اليوم كما تحتفل باقي دول العالم، بعيدا – ولو مؤقتا – عن مشاهد الدم والقتل والدمار، تحتفل لتقول إن هذا الشعب، رغم كل ما مرّ به، لا يزال قادرا على الوقوف، وعلى حماية إنسانيته، وعلى منح أطفاله حق الفرح، ولو في أبسط صوره.

إن عودة أعياد الميلاد إلى فلسطين أرض الرسالات التي كُتب لها أن تحفظ عهود الأنبياء والرسل، فلا تطفأ أشجارها وأضواءها طويلا.. نعم غنى الرعاة أغاني العيد هذا العام، وسُمعت أجراس الكنائس، وهي تدق عقولنا وقلوبنا كأصوات المآذن تماما، لنؤكد أن الحياة هنا لم تُهزم، وأن الفرح، مهما تأخر، سيجد طريقه دائما إلى هذه الأرض.