قانون الإعدام في دولة إسرائيل ليس جديدا، ولا هو وليد الأمس، بل تبنته الحكومات الإسرائيلية الأولى من قانون الطوارئ لدولة الانتداب البريطاني في العام 1945، وبقي ساري المفعول رسميا حتى عام 1954، الا أن الإلغاء لم يكن تاما ومطلقا، حيث ابقت الباب مواربا تحت عنوان الاستثناء، وخاصة ما أطلقوا عليه “قانون محاكمة النازيين” المشرع قانونيا وفقهيا في محاكمة “عناصر النخبة”، المقر في عام 1950، والذي حوكم بموجبه أدولف ايخمان 1962. وتم تعزيز الاستثناء في قانون القضاء العسكري، وعمقوه بما أسموه “جرائم يعاقب عليها بالإعدام، تتضمن “الخيانة العظمى والتعاون مع العدو، وإخلاء المواقع العسكرية أمام قوات العدو.” وبالتالي محاولة الحكومات الإسرائيلية لبس الثوب الليبرالي، والتماهي مع القوانين في دول الغرب الامبريالي وتحديدا دول الاتحاد الأوروبي، كانت مرهونة بمرحلة محددة للاعتبار آنف الذكر، وأيضا للإيحاء للعالم عموما، بأن إسرائيل هي “الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط” للتغطية على طابعها الاستعماري الإرهابي في الإقليم، والمحافظة على طابعها الذي عممته وعممه معها دول الغرب جميعا، بأنها الدولة “الضعيفة والمسالمة” و”المعتدى عليها” في المحيط العربي، ومع ذلك لم تلجأ لاستخدام قانون الإعدام ضد منفذي العمليات الفدائية خلال العقود الماضية.
غير ان قانون الإعدام بقي محور جدل ونقاش في الأوساط الإسرائيلية التشريعية والتنفيذية والقضائية صعودا وهبوطا، ارتباطا بتطور الشروط الموضوعية والذاتية المحيطة بالدولة الاستعمارية. ومع صعود القوى الصهيونية الأكثر تطرفا في إسرائيل، ارتفعت وتيرة النقاش بشأن تفعيل القانون مجددا، ومطلع 2018، أقر الكنيست في قراءة تمهيدية قانون تحت يافطة “تعديل قانون العقوبات – حكم الإعدام للمدان بالقتل في ظروف إرهابية، وكان ذلك بمثابة التمهيد ورصف طريق فرض عقوبة الإعدام في القضايا المدرجة في خانة الإرهاب. الا أن مشروع القانون لم يغادر القراءة التمهيدية، وبقي في أدراج الكنيست، الى ان حانت اللحظة التي أعيد طرحه في الكنيست بشكل واضح لا لبس فيه مع صعود القوى الصهيونية المتطرفة، المتهم بعضهم بالإرهاب في المحاكم الإسرائيلية، مثل تلميذ كهانا، ايتمار بن غفير الذي حوكم كإرهابي.
بالتلازم مع ما ذكر، صادقت الكنيست يوم الاثنين 10 تشرين ثاني / نوفمبر الحالي (2025) بالقراءة الأولى، على مشروع قانون إعدام الاسرى الفلسطينيين، الذي اقترحته عضو الكنيست ليمور سون هرملخ من حزب “القوة اليهودية” وصوت لصالحه 36 عضوا مقابل معارضة 25 عضوا، وعلى إثر ذلك تم تحويله الى اللجنة البرلمانية المختصة تمهيدا لتعديله وإعادة صياغته، وتقديمه للتصويت عليه بالقراءتين الثانية والثالثة.
وخلال جلسة النقاش قبل الموافقة عليه، صرح منسق شؤون الاسرى والمفقودين في مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي، غال هيرش، إن نتنياهو “يؤيد المشروع”، رغم أنه “كان قد عارض مناقشته سابقا (قبل أسبوع فقط) خوفا على حياة الاسرى الإسرائيليين” اثناء مفاوضات التبادل مع حركة حماس. وأضاف هيرش أن “الظروف تغيرت، فقد ضيقنا الخناق العسكري والسياسي على حماس، وبعض الأسرى عادوا احياء والبعض الاخر جثثا، والمهمة لم تنته بعد”، مشيرا الى ان نتنياهو يدعم أيضا توجها يمنح منسق شؤون الاسرى صلاحية تقديم “تقرير سري” للمحكمة قبل تنفيذ أي حكم بالإعدام. وكان بن غفير قد هدد قبل التصويت على مشروع قانون زميلته في الحزب هرملخ، بأن حزبه “عوتسما يهوديت”، لن يصوت على مشاريع قوانين الائتلاف ما لم يطرح مشروع القانون على جدول الاعمال في الكنيست، مؤكدا على ان اتفاقه الائتلافي مع حزب الليكود يتضمن التزاما صريحا بسن قانون الإعدام خلال الولاية الحالية.
وكان الكنيست أيضا ناقش مشروع قانون مواز لقانون الإعدام، اقترحه عضو الكنيست عوديد فورر من حزب “إسرائيل بيتنا” المعارض، وتم تمريره بأغلبية 37 صوتا مقابل 14 صوتا معارضا، مما يعكس صورة جلية، ان أحزاب الموالاة والمعارضة تقف في خندق واحد، وتتكامل فيما بينها على استهداف المناضلين الفلسطينيين والقوى والفصائل الفلسطينية عموما، وتوسيع وتعميق دوامة الإرهاب على أبناء الشعب الفلسطيني، وخاصة أسرى الحرية.
ورغم تمرير مشروعي القانونين بالقراءة الأولى، الا أن الجدل والنقاش مازال متواصلا بين النخب السياسية والقانونية في إسرائيل حول ارتدادات القانون والمخاطر الأمنية والسياسية الناتجة عنه، حيث حذر ونبه خبراء من أن إقراره سيؤدي الى تصعيد ميداني واسع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، ليس هذا فحسب، بل أنهم نبهوا لانعكاسات إقراره على صورة إسرائيل أكثر فأكثر أمام الرأي العام الدولي، التي باتت دولة منبوذة ومعزولة.
إذا إقرار مشروعي القانونين مؤخرا، أكد أن الحكومة الإسرائيلية ماضية قدما في تمرير قانون الإعدام، وهو ما يعكس صورة الدولة اللقيطة والقائمة بالاحتلال لأراضي الدولة الفلسطينية، بانها دولة استمرأت القتل والاعدام للأبرياء الفلسطينيين، وتلفيق التهم جزافا لهم لإعدامهم لاحقا، وهي كما نعلم ونعيش يوميا يرتكب جنودها وقطعان المستعمرين جرائم الحرب عبر عمليات القتل الميدانية دون وجود وإقرار قانون الإعدام، وبالتالي لن تضيف المصادقة عليه جديدا، سوى ترسيمه، لأن عمليات القتل الميداني مستمرة ومتواصلة ولم تتوقف يوما طيلة عقود الاحتلال الإسرائيلي لأراضي الدولة الفلسطينية المحتلة عام 1967، ومع ذلك تفرض الضرورة فضح وتعريه الدولة الاستعمارية الإسرائيلية أمام المنابر والهيئات والمحاكم الدولية وفي أوساط الرأي العام العالمي لملاحقتها أمام الدنيا كلها، وخاصة محكمتي العدل الدولية والجنائية الدولية.
oalghoul@gmail.com





