لم تعاقب منظومة الاحتلال على اغتيال الصحفية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، ولم تشفع لها الجنسية الأمريكية، فتمادى جيش دولة الاحتلال حتى بلغ عدد ضحايا جرائمه 240 مراسلا ومصورا صحفيا، منذ 7 اكتوبر 2023 اثبتت التقارير الميدانية والطبية، والصادرة عن منظمات حقوقية، أن معظمها استهدافات مباشرة، ما يعني ان الصحافة الفلسطينية موضوعة اساسا في بنك اهداف حكومة وجيش الاحتلال.
وبما أن منظومة الاحتلال قد كرست منهجا دمويا في نظم وتوجيه رسائلها باتجاهات محددة، فإننا نقرأ قتل الصحفيين خالد المدهون، وحسام المصري، خلال 72 ساعة اثناء التغطية الاخبارية لتلفزيون فلسطين، رسالة ارهابية الى الاعلام الرسمي الفلسطيني، وبذات الاتجاه والمضمون الى نقابة الصحفيين الفلسطينيين، ولا نغفل في هذا المقام الزملاء العاملين لصالح محطات عربية ومحلية ايضا.. ليس لأن منظومة الاحتلال تعتبر الاعلام الرسمي الفلسطيني السكة الموازية للنضال السياسي والدبلوماسي والثقافي والقانوني والشعبي السلمي المشروع ، يجب كسرها وحسب، بل لأنه مسير بالحكمة والعقلانية والموضوعية، والضمير المهني والوطني النقي، ولم يسقط في شرك الغوغائية، وثرثرات المحللين، وفهلوة صناع التقارير الاخبارية، وبمعنى أدق، لم ينغمس بعملية استغلال مشاعر وأحاسيس الجماهير، ولم يغرق وسائله الاعلامية بطوفان الكذب، و”الشعوذة الاستراتيجية” ولم يأخذ النفس والروح والدماء الانسانية في غير مضمار قداستها وكرامتها، على عكس وسائل اعلام، انتهزت الابادة، كمادة استثمارية، لتحقيق اهداف خفية كبرى صالح منظومة وحكومة الصهيونية الدينية، حتى لو ظن البعض أن جماعة الاخوان المسلمين، وفرعهم المسلح في فلسطين (حماس) هم المستفيدون مباشرة.
فالمادة الصحفية المصورة، والمنطوقة على لسان ناطقين ومحللين وأدعياء خبرة عسكرية استخدمت سلاحا ضد أبناء شعبنا في قطاع غزة، حتى التقارير الميدانية خلت من الموضوعية، وكذلك الشرائط الوثائقية تحت عناوين مثل: “الاعلام العسكري” أو الحربي، والمثلثات الحمراء، وغيرها من الرموز والمصطلحات الهراء، فقد قدمت للجمهور تحت يافطة رفع المعنويات، لكنها في الحقيقة صممت لخداع الجماهير، وحرف الأنظار عن النكبة الأفظع، اللامسبوقة في قطاع غزة، وذلك على قاعدة تغليب صورة المسلحين وقذائفهم المتواضعة على صور الإبادة، وأخذ هذه الصور كبرهان على ادعاءات تجار الحرب ومروجي الأوهام مجانا، ومثلهم المتحمسين المتفرجين على فصولها، والمصفقين لها، كأنها احداث مسرحية !! يعرضونها وهم مدركون انها ستجمع في حقيبة مبررات جيش الاحتلال للامعان في قصف اماكن سكنية ومستشفيات ومؤسسات مدنية وخدمية !
الاعلام الرسمي الفلسطيني مستهدف لمنعه من الارتقاء لمستوى اعلام الدولة لذلك قصفت مؤسساته وهيئاته بالصواريخ والطائرات، كما قصفت مؤسسات اعلام الثورة الفلسطينية، حتى لا يرقى الى مستوى اعلام حركة تحرر وطنية، فالمقصود بالتدمير هنا “الفكرة والهدف” لكن الفكرة ازدادت بريقا، أما الهدف فبات واضحا بدقة، رغم تضحيات رسل الفكرة الوطنية الفلسطينية الاعلامية والثقافية .
هنا لا بد من القول ان منظومة الصهيونية الدينية، وانطلاقا من فهمنا لطبيعتها ومرجعياتها العنصرية المشتقة من التعاليم التلمودية العنصرية، تسعى لتعميم ونشر كل ما من شأنه ارهاب وارعاب الشعب الفلسطيني، بسلاح صور ومشاهد المجازر، لما في ذلك من تأثيرات سلبية، وردود افعال متوقعة، سيوظفها في حساباته وخطط حروبه التالية!
أما قتل الصحفيين وتدمير مؤسسات الاعلام الرسمية والخاصة ذات المنهج الموضوعي المهني المتوج بالوطني، فلا نراه إلا قرارا استراتيجيا، ولا ننسى ان ساسة وجنرالات الاحتلال لا يأبهون للقانون الدولي والمواثيق الأممية وبذات الوقت يدركون استحالة اخفاء جرائمهم ضد الانسانية، حتى لو لم يبق صحفي واحد في الميدان، فكل فلسطيني بات شاهدا بذاكرته وعدسة هاتفه، حيث ينال الحقائق بتفاصيلها الدقيقة بحكم قربه من مكان الجريمة وحضوره في زمانها، وبات رديفا لوسائل الاعلام والصحافة.