بعد أن استمع الجميع للمؤتمر الصحفي، الذي عقد في البيت الأبيض بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، برزت بشكل مباشر وجهتا نظر حول ما تم طرحه:
وجهة النظر الأولى سادها التشاؤم المطلق، ورأت فيما قدمه الرئيس ترامب إنكارًا لمجمل الحقوق الفلسطينية، فلا سلطة للفلسطينيين، وإنما عودة للوصاية، خاصة وأن المجلس المقترح في الخطة تم تصميمه لهذا الغرض. كذلك فإن ما تحدث به الرئيس ترامب يعتبر في مجمله موقفًا إسرائيليًا لكنه بنكهة أميركية، وعليه فإن هذا الطرح مرفوض، ويُعد هزيمة كبرى لفلسطين، ولذلك على حماس والشعب الفلسطيني ألا يقبلوا به بأي حال من الأحوال.
أما وجهة النظر الثانية، فهي وجهة نظر دولة فلسطين وقيادتها الشرعية، التي نظرت بإيجابية لما طُرح من بنود، وأعادت سرد مجمل المطالب الفلسطينية في بيان رسمي، وأبدت استعدادها للتعاون والشراكة مع الرئيس ترامب في تحويل خطته بما يضمن السلام العادل والشامل، وأيضًا بما يسحب كل الذرائع التي وضعها نتنياهو في معرض حديثه.
وهنا يجب أن نتوقف بعض الشيء، للبحث بإيجابية عن كيفية الاستفادة من هذه الفرصة التاريخية، وفي مقدمتها أن هذه الخطة ليست فقط لوقف الحرب، التي تشكل الأولوية المطلقة للشعب الفلسطيني في هذا الوقت، ولكنها تتحدث بالأساس عن مشروع سلام في الشرق الأوسط، ولكن هذه المرة بقيادة أمريكية وبدعم عربي ودولي لم يسبق له مثيل. فهذه الخطة من حيث المبدأ تضمنت مطالب فلسطينية كثيرة، منها الوقف الفوري للحرب، وهو مطلب الجميع، والذي يصب أيضًا في إنهاء ما يرمي إليه اليمين الإسرائيلي المتطرف بتهجير الشعب الفلسطيني من قطاع غزة، بل وإلغاء فكرة التهجير بالكامل. كذلك تشمل الخطة إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين الأحياء والأموات خلال 72 ساعة مقابل إطلاق سراح عدد من الأسرى ذوي الأحكام العالية والمعتقلين، وأيضًا جثامين القتلى الفلسطينيين خلال هذه الحرب. وتشمل أيضًا ضمان انسحاب إسرائيلي من قطاع غزة على مراحل، والسماح بشكل فوري بدخول وتوزيع المساعدات بلا حدود عبر المنظمات الدولية، وهذا تمامًا ما نادت به القيادة الفلسطينية منذ بداية الحرب.
وقد سبقت ذلك تصريحات ترامب القاطعة بمنع ضم الضفة الغربية أو أي أجزاء منها، وتأكيده للدول العربية والإسلامية بأنه لن يسمح بذلك، وكذلك حديث جدي عن عملية سلام تنهي عقودًا من الصراع، وتثبت حق الفلسطينيين في دولة لهم. وهذا أيضًا ما نادت به القيادة الفلسطينية طوال الوقت.
ومن هنا يمكن القول إن جهود الخماسي العربي بقيادة المملكة العربية السعودية، والذي يشمل مصر والأردن وقطر والإمارات العربية المتحدة، والثلاثي الإسلامي الذي يضم باكستان وتركيا وإندونيسيا، وبالشراكة الجادة مع دولة فلسطين، قد استطاعت تغيير المعادلة وإنقاذ الشعب الفلسطيني في هذه المرحلة من مؤامرة كبيرة كانت ستقضي على قضيته. وذلك بالعمل على تغيير وجهة النظر الأمريكية فيما يتعلق بالشرق الأوسط ككل وبالقضية الفلسطينية، وضرورة حصول الشعب الفلسطيني على حقوقه وإقامة دولته المستقلة كأساس للسلام في المنطقة.
الخلاصة أن ما طرحه الرئيس ترامب هو إطار عام للسلام في الشرق الأوسط يحتوي على جزئية أساسية تتعلق بوقف فوري للحرب، وإخراج طرفي المعادلة (إسرائيل وحماس) من لعبة تبادل الأدوار، وذلك عبر إفقادهم مبررات الحرب لصالح معادلة جديدة متعددة الأطراف تقودها الولايات المتحدة. وتأتي في مرحلتها الأولى ما يسمى “بمجلس السلام”، الذي سيرأسه الرئيس ترامب بنفسه، والمحدد بإطار زمني مدته خمس سنوات، يمكن اعتبارها فترة انتقالية يتم خلالها وضع إجراءات بناء الثقة وإزالة كافة عوائق الوصول إلى اتفاق يضمن الدخول في حوار جاد بين الفلسطينيين والإسرائيليين للوصول إلى التسوية المنشودة. وفي الوقت نفسه يبدأ العمل الفوري على إعادة الإعمار لإعطاء أمل لأهل غزة والتخفيف مما عانوه خلال فترة الحرب الماضية. وأعتقد أن كل ما سبق يشكل نقطة انطلاق جيدة نستطيع البناء عليها في الفترة القادمة، بالرغم من الكثير من الشوائب التي يجب النظر إليها في مستقبل الأيام.
ويبقى الموقف الفلسطيني ثابتًا: أنه يرحب بكل جهد من شأنه أن يقود إلى وقف هذه الحرب، وأن السلام يتحقق فقط بإنهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية.
وهنا أستذكر ما كتبته في ختام مقال سابق عبر صحيفة العرب: حين تشتد العاصفة على سفينة، فالمتشائم يشتكي من الريح، والمتفائل يأمل في توقفها، أما الواقعي فيعدّل الأشرعة.
عبدالكريم عويضة
سفير دولة فلسطين في جمهورية كوت ديفوار
* نشر في موقع صحيفة العرب في 2 اكتوبر 2025