قراءة باردة في الرد الإيراني.. نقلة نوعية أم حدث عابر؟!

ياسين شبلي

أما وقد حصل الرد “المنتظر” من قِبَل إيران، على قصف قنصليتها في دمشق في الأول من نيسان، بوابل من الصواريخ والمسيَّرات على دولة الكيان الصهيوني، ليلة السبت – الأحد من الأسبوع الثاني للقصف، بات يمكن الحديث اليوم بهدوء وروية وبرود، بعد عدة أيام على الرد، بعيداً عن سخونة الحدث، وما رافقه من “أكشن” ومبالغات من جهة، وتنمر وسخرية من جهة أخرى، كل بحسب موقفه وموقعه السياسي كما في كل حدث سياسي أو عسكري في المنطقة الملتهبة، والمليئة بالتطورات المتسارعة، بحيث تمتص الأحداث بعضها البعض بصورة مستمرة.

 

إذا أردنا تحليل الموقف بشكل صحيح، وبعيداً عن العواطف الشخصية، إنطلاقاً من طبيعة الرد الإيراني وتداعياته ونتائجه، فلا يمكننا فصل شكل الرد عن مضمونه في الحقيقة، فالشكل هنا قد يعطينا فكرة عن الهدف الحقيقي للرد، من ضمن الصراع الدائر في المنطقة، وبالتالي يمكننا على ضوء ذلك، تقدير ما إذا كان هذا الفعل هو نقلة نوعية في معادلات المنطقة، يستحق التحليل والتهليل، أم هو حدث عادي عابر من جملة الأحداث المتلاحقة، وبالتالي لا يستحق أكثر من المتابعة العادية، بعيداً عن المبالغة سواء الإيجابية منها أو السلبية.
في الشكل جاء الرد المباشر – وهو الأول من نوعه، – بعد حوالي أسبوعين من قصف القنصلية، ما عزَّز من نظرية الإتفاق المسبق عليه، خاصة وأن هناك سابقة في هذا المجال، عندما ردت إيران على إغتيال قاسم سليماني رداً محسوباً، بعد أن سرَّبت طبيعته وموعده للأميركيين عبر الألمان يومها، وهو ما أكده مؤخراً الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بالرغم من النفي الإيراني، وإن كانت طبيعة ونتيجة الرد يومها، تشي بحقيقة ما قاله ترامب.

 

هذه المرة أيضاً فالفترة الفاصلة بين الفعل ورد الفعل، في منطقة ملتهبة ومُستنفَرة، بحيث يد الجميع فيها على الزناد، توحي بشكل يكاد يكون أكيداً، أن مفاوضات جرت ما بين إيران وأميركا، عبر القناة العُمانية المتفق عليها، لمحاولة إيجاد ترتيبات للرد، بحيث لا يموت الذئب ولا يفنى الغنم، وذلك عن طريق إمساك أميركا بالعصا من الوسط، بحيث “تسمح” لإيران بإطلاق الصواريخ والمسيرات من جهة، ومن جهة أخرى تساعد في التصدى لهذه الصواريخ والطائرات، حتى لا يكون هناك أي خطأ غير محسوب، قد يؤدي إلى ما لا تحمد عقباه، وهذا أيضاً ما يفسر ربما، عدم تدخل الأذرع الإيرانية في المنطقة، إلا بشكل إستعراضي – ربما بإستثناء حزب الله نظراً لطبيعة المشاغلة – وهكذا كان، والسؤال الذي يُطرح هنا، ويعزز أيضاً فرضية الإتفاق، هو أنه إذا كان الوقت المفترض لوصول الصواريخ البالستية إلى هدفها هو 13 دقيقة تقريباً، والمسيرات حوالي 6 إلى 7 ساعات، فلماذا لم تطلق إيران الصواريخ أولاً ومن ثم المسيرات؟ بعكس ما فعلت والذي بدا فعلاً مستغرباً، بحيث أن أصغر إنسان في أبعد نقطة من الأرض كان على علم بإنطلاق المسيرات بإتجاه إسرائيل، في الوقت الذي يعلم فيه الجميع، بحسب تجارب الحروب عبر التاريخ، بأن الحرب خدعة، وبأن عامل المفاجأة في الحروب هو من أهم عوامل النجاح، وهو ما أطلق حملة السخرية والتنمر بحق إيران، برغم حال المنطقة المأساوي وحال الحرب، المفروض أنها تضع الجميع في حال الخطر والقلق.

 

في الشق السياسي، كان لافتاً أولاً سرعة إعلان إيران نهاية الرد، عبر بعثتها في الأمم المتحدة، حتى قبل أن تصل المسيرات والصواريخ إلى أهدافها، ثانياً تصريح وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، بأن حكومته أبلغت جيرانها والولايات المتحدة، عن موعد تنفيذ الضربة قبل 72 ساعة، ثالثاً التأكيد الإيراني المتكرر، بأن الضربة إنما هي حق يكفله لها القانون الدولي، لأنها في معرض الرد على عدوان طالها، خاصة وأن مجلس الأمن عجز عن إتخاذ موقف يندد بالعدوان، في موقف بدا وكأنه إستجداء للتعاطف الدولي، وهو ما لم تعتد عليه إيران، رابعاً تكرار التأكيد الإيراني، بأن الرد كان محسوباً ومدروساً ومحدوداً، وأنه لم يستهدف المنشآت المدنية ولا الإقتصادية، في ما بدا وكأنه تبرير للرد، على طريقة مجبر أخاك لا بطل.
على الجانب الأميركي، كان أيضاً لافتاً حرص الولايات المتحدة المتكرر، على نفي تصريح عبد اللهيان بأنها كانت على علم بالضربة قبل موعدها، ما حدا بعدها بإيران لسحب تصريحات عبد اللهيان ونفيها.

 

هذا الكلام يقودنا تلقائياً، إلى معرفة مضمون هذا الرد وأهدافه الحقيقية، فهو كما بدا رداً تكتيكياً موضعياً وليس ردا إستراتيجياً، وقد أملته ظروف قصف القنصلية الإيرانية في دمشق بشكل علني، ما أحرج إيران وضرب معنوياتها في الصميم، وهي التي تبني سمعتها وهيبتها على الإثارة والتهديد حد المبالغة، في تقدير فائض القوة الذي تمتلكه، وإلا كيف نفسر صمتها كل هذه السنوات عن العمليات الإسرائيلية داخل إيران، من إنفجارات وإغتيالات وعمليات سرية، وصلت حد خطف أحد الضباط وإستجوابه داخل إيران، وكذلك سرقة وثائق الملف النووي الإيراني، وكلها عمليات تمت بسرية تامة، ولم تعلن إسرائيل عنها أو تتبناها رسمياً، مع أن إيران تعلم علم اليقين، بأن إسرائيل هي من قام بها، ومع ذلك لم تحرك ساكناً، ربما لأن الحرب كانت حرب ظلال، وقد تحولت اليوم إلى حرب علنية، وهو ما يضيِّق مجال المناورة أمام النظام الإيراني، وهذا ما يفسر ربما تهديداته اليومية عبر تصريحات مسؤوليه، التي تجاوزت في اليومين الماضيين، عدد الصواريخ والمسيَّرات التي أطلقت بإتجاه إسرائيل.

 

من هنا يمكننا الإستنتاج، بأن الرد الإيراني ليس أكثر من حدث عابر في المنطقة، بحيث لن يغير في ميزان القوى الحقيقي على الأرض، فلا غزة ستتأثر بهذا الحدث، ولا سوريا ستُحيَّد عن الضربات التي باتت للأسف معتادة، وهو ما يؤكده التصعيد العسكري الذي يشهده الجنوب اللبناني، والذي لم يختلف عما سبق الرد الإيراني، ليبقى للأسف الشرق الأوسط ارضاً وسماء، تحت رحمة العربدة الصهيونية.. والبروباغندا الإيرانية، وأبواقها السياسية والإعلامية.

شاهد أيضاً