قراءة في زيارة وزيرة الاتصالات الإسرائيلية للمغرب

ثابت العمور

كتبت في 2 شباط/ فبراير مقالاً عن الشهيد “عبد العزيز قاضي ونضال المغاربة في فلسطين”، الشاب المغربي الذي ترك الولايات المتحدة الأميركية وجاء إلى عاصمة كيان الاحتلال ليُنفذ عملية طعن أسفرت عن إصابة 4 صهاينة.

لم يذهب تفكيري وتقديري حينها أنني بعد أسبوعين فقط سأكتب عن المغرب الرسمي، ولكن من زاوية مختلفة تماماً إلى حد يفوق مجرد التناقض، أنني سأكتب عن زيارة وزيرة النقل والمواصلات الإسرائيلية للمغرب.

ما الذي يمكن أن يحققه المغرب من استضافة وزيرة المواصلات الإسرائيلية؟ وفي المقابل، ما الذي يمكن أن يخسره إذا رفض استقبال الوزيرة؟ لماذا يتجاهل مشاعر 50 ألف عائلة فلسطينية قدمت أبناءها شهداء و12 ألف عائلة  لا يزال أبناؤها مفقودين تحت أنقاض منازلهم و11 ألف معتقل في سجون الاحتلال و120 ألف مصاب بين بتر وحرق، لماذا يذهب المغرب لتبييض صحيفة الاحتلال المتهم رئيس حكومته ووزير حربه وبقية وزرائه أمام محكمة الجنايات الدولية بارتكاب جرائم حرب؟

لماذا يتجاهل المغرب مشاعر مواطنيه ونخبه ومحاميه وكل مكوّنات المجتمعين المغربي والعربي التي خرجت في تظاهرات رافضة لزيارة الوزيرة؟ ثم، ما الجدوى من استضافة وزيرة المواصلات الإسرائيلية في هذا التوقيت بالذات؟ حتى عندما استدعت النخبة المغربية القانون لمنع الوزيرة الإسرائيلية من الوصول إلى المغرب، استخدم القانون في غير موضعه ومحله، وتمت عملية تسييسه ليتجاهل دعوى رفض الزيارة.

من حق المغرب كدولة كاملة السيادة أن يستقبل من يشاء من الوزراء والرؤساء، ولكن من دون تقليل احترام مشاعر ملايين العرب والمسلمين عموماً والشعب الفلسطيني على وجه الخصوص؛ فدماء شهداء غزة الذين قتلتهم حكومة وزيرة المواصلات لم تجف بعد، والمغرب كدولة عربية إسلامية أفريقية يترأس لجنة دعم القدس! لماذا بينما ترفض القمة الأفريقية استضافة “إسرائيل” وتتصدر القضية الفلسطينية أجندة القمة الأفريقية التي ترفض التهجير، وتطالب بإنصاف الحق الفلسطيني يذهب المغرب إلى استضافة وزيرة برتبة لواء في “جيش” الاحتلال.

وزيرة المواصلات الإسرائيلية ميري ريغيف التي استقبلها المغرب في المؤتمر الوزاري العالمي حول السلامة الطرقية في مراكش، هي ضابط برتبة لواء في “جيش” الاحتلال، وشغلت منصب نائب المتحدث باسم “جيش” الاحتلال عام 2002، وهو عام “السور الواقي” واجتياح الضفة الغربية وتدمير مخيم جنين.

ثم، ترقت في عام 2004 لتصبح رئيسة الرقابة الصحفية والإعلامية، أي الجهة التي لا يمكن أن يمر خبر أو تصريح أو أي منتج إعلامي من دون موافقتها، وفي عام 2005 أًصبحت المتحدثة الرسمية باسم “جيش” الاحتلال؛ واستمرت في هذا المنصب حتى عام 2007، لتتولى منصب منسقة فعاليات “جيش” الاحتلال، وتتحوّل إلى العمل السياسي في عام 2008 إذ انضمت إلى حزب الليكود حتى أصبحت واحدة من أبرز الشخصيات في المشهد السياسي الإسرائيلي عام 2009، وقبل توليها وزارة النقل والمواصلات التي لا تزال تترأسها منذ عام 2020؛ تولت وزارة الثقافة والرياضة الإسرائيلية من عام 2015 حتى 2019.

بينما يتفادى ضُباط كيان الاحتلال وجنوده ووزراؤه السفر إلى بعض الدول الأوروبية خشية التوقيف والاعتقال على خلفية جرائم الحرب التي ارتُكبت في قطاع غزة، تزور الوزيرة “ريغيف” المغرب من دون أي خشية من التوقيف أو الاعتقال، رغم توجيه اتهامات لها من مستويين:

الأول: يتعلق بماضيها العسكري الإجرامي، والثاني: كونها أحد مكونات الحكومة الصهيونية الحالية المتهمة بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان وفق عُرف محكمة الجنايات الدولية وتعريفها.

لن يلوم أحد المغرب لو كان تجرّأ ولوّح بتسليم الوزيرة لمحكمة الجنايات الدولية، بعد خطيئة المغرب الكبرى بتسليم فلسطيني من 48 إلى “إسرائيل”، ففي نهاية عام 2023 أوقفت السلطات المغربية شاباً فلسطينياً من الناصرة بناءً على مذكرة اعتقال صدرت عن الشرطة الإسرائيلية.

وعدّت هذه أول عملية من نوعها لشرطة الاحتلال، وقالت شرطة الاحتلال في بلاغ نشرته على حسابها الرسمي في موقع “إكس” في17 كانون الأول/ ديسمبر2023: “إن السلطات المغربية سلمت تل أبيب نسيم خليبات المشتبه به في وضع عبوة ناسفة قرب مكاتب وزارة الصحة في مدينة الناصرة عام 2021″.

وتعود وقائع القضية إلى أواخر 2021، حين قام نسيم خليبات رفقة شخصين أحدهما من أقاربه علي وجعفر، بالتخطيط لتفجير مبنى لمكتب صحي في مدينة الناصرة.

كثيرة هي الدلالات والرسائل التي تتركها خطيئة استقبال المغرب الوزيرة الإسرائيلية في هذا التوقيت، توقيت الدم المسفوح على ثرى غزة، ومن الدلالات أن المغرب تجاهل الإبادة التي تعرض لها الشعب الفلسطيني على مدار 15 شهراً متواصلة، وأنه لا يمانع في إقامة علاقات مع كيان متهم بارتكاب جرائم حرب.

ومن الدلالات أيضاً أن المغرب لا يرى حرجاً في الإبادة التي تعرض لها شعب فلسطين، وأن بإمكان حكومة الاحتلال اليمينية المتطرفة أن تفعل ما تشاء، ثم تأتي إلى دولة عربية- أفريقية- مسلمة وتترأس لجنة القدس بكل سهولة وأريحية. إن أحد دلالات استقبال وزيرة حكومة نتنياهو تشجيعها على المضي في القتل والإبادة بغطاء مغربي، لأن أي استقبال لأي وزير في حكومة الاحتلال عقب حكم محكمة الجنايات الدولية يعدّ تبييضاً لجرائم الاحتلال، وإهانة لمشاعر المغاربة والعرب والمسلمين في فلسطين وفي كل مكان.

ويعدّ سلوكاً مداناً ومشيناً لأن العلاقة بين المغرب و”إسرائيل” في هذا التوقيت تمر عبر الدم والقتل والإبادة. وفي الزيارة استفزاز لأهالي الشهداء والجرحى والمعتقلين والمصابين في فلسطين؛ ولكل القوى الحية في المغرب، بل في الأمر تفكيك للعلاقة بين الجمهور المغربي والبرلمان المنتخب، إذ إن الشارع المغربي عندما خذله القضاء المغربي استقوى بالبرلمان وذهب للتظاهر أمامه فخذله هو أيضاً، ولم يُبدِ أي موقف ولم يعترض على الزيارة، وبالتالي هو أيضاً شريك ولا يعكس رغبة ناخبيه وإرادتهم بقدر ما يعكس حالة التردي والتماهي مع الاحتلال.

من بين دلالات استقبال الوزيرة الإسرائيلية موقف مغربي رسمي غير معلن من قضية التهجير، إذ استقبل المغرب الوزيرة على وقع ترديد ما يسمى بخطة ترامب التي تستهدف تهجير سكان قطاع غزة، وإحداث تغيير ديموغرافي جذري لسكان قطاع غزة.

والمفارقة أنه بينما تداعت الدول العربية مصر والأردن ودول الخليج لرفض التهجير، ذهب المغرب منفرداً لاستقبال الوزيرة الإسرائيلية، وهو ما يُعرف، دبلوماسياً وسياسياً، بسوء التقدير وسوء قراءة المتغيرات وسوء القراءات التي يمكن أن تحدث نتيجة الزيارة وتوقيتها.

وأختتم بثلاث ملاحظات الأولى: أن المغرب لن يستطيع تبييض ملف جرائم الاحتلال، وأنه إذا كان المغرب قد استقبل الوزيرة لمصلحة ما ومحددات معينة، فإن هناك دولاً رفضت حتى مجرد الاستماع إلى حديث الوزيرة في المغرب وغادرت القاعة على الهواء مباشرة بمجرد بدء الوزيرة الإسرائيلية كلمتها.

الثانية: خطيئة المغرب أنه مصمم على رفع رصيد “إسرائيل” والتقارب معها والتماهي، واستقبال الوزيرة مقصود ولم يكن مجرد خطأ أو خطيئة، والوزيرة “ريغيف” اسُتقبلت قبل ذلك في المغرب في أيار/ مايو 2023، لتكون أول وزيرة مواصلات إسرائيلية تزور المغرب. من بين الخطايا أيضاً أن المغرب على وقع حرب الإبادة في غزة، وقّع اتفاقية مع “إسرائيل” لشراء أقمار صناعية، ومطلع هذا العام، وقّع اتفاقية أخرى مع “إسرائيل” لشراء قطع مدفعية ذاتية الحركة. قيمة صفقات التسليح تلك تتعدى مليارات الدولارات.

الثالثة: هناك جوانب غير معلنة من العلاقة بين المغرب و”إسرائيل” تصل حد المشاركة في حرب الإبادة على غزة، ذلك أنه عندما رفضت إسبانيا أن ترسو سفن الشحن التابعة لشركة “ميرسك” لأنها موضع اشتباه في حمل هذه السفن مبيعات أسلحة أميركية إلى “إسرائيل”، استبدلت “ميرسك” موانئ إسبانيا بموانئ المغرب، وتحديداً ميناء طنجة.

وقد أثارت قضية الكشف عن سماح المغرب وتسهيل مرور شحنات الأسلحة الأميركية لقوات الاحتلال لاستخدامها في غزة موجة غضب في الشارع المغربي وتحديداً مدينة طنجة، بعدما سُربت صور المركبات العسكرية داخل حاويات شركة “ميرسك” في ميناء طنجة. ويبقى استقبال المغرب للوزيرة الإسرائيلية الجزء الظاهر فقط من جبل الجليد.

عن الميادين

تابعنا عبر:

شاهد أيضاً