قراءة قانونية: تحليل قانوني لسلوك إسرائيل في غزة وفقًا لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها

إعداد: وسيم الشنطي

” محام وباحث في القانون الدولي ”

نظرة عامة:

أصدرت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة المعنية في الأرض الفلسطينية المحتلة،

بما فيها القدس الشرقية، وفي إسرائيل، في تاريخ 16 سبتمبر 2025م تقريراً جديداً حول الحرب

على قطاع غزة. وقد قررت اللجنة للمرة الأولى في ذلك التقرير أن ما يحدث في غزة هو إبادة جماعية بحق الشعب الفلسطيني في القطاع.

وقد قامت اللجنة بالتحقيق في الأحداث التي وقعت في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023

ومنذ ذلك التاريخ على مدى العامين الماضيين، وخلصت إلى أن السلطات الإسرائيلية وقوات الأمن الإسرائيلية ارتكبت أربعة من أفعال الإبادة الجماعية الخمسة التي حددتها اتفاقية منع جريمة الإبادة

الجماعية والمعاقبة عليها لعام 1948، وهي القتل، وإلحاق أذى جسدي أو عقلي خطير، وفرض

ظروف معيشية متعمدة يراد بها تدمير الفلسطينيين كليًا أو جزئيًا، وفرض تدابير تستهدف الحؤول دون الإنجاب.

وقد خلصت اللجنة في تقريرها إلى أن دولة إسرائيل تتحمل مسؤولية الفشل في منع الإبادة الجماعية،

وارتكابها، وعدم معاقبة مرتكبيها ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. كما خلصت إلى أن الرئيس

الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع آنذاك يوآف غالانت، قد حرّضوا على ارتكاب إبادة جماعية، وأن السلطات الإسرائيلية لم تتخذ إجراءات ضدهم لمعاقبة هذا

التحريض. ولم تُقيّم اللجنة تصريحات قادة سياسيين وعسكريين إسرائيليين آخرين بشكل كامل،

وترى أنه ينبغي أيضًا تقييمها لتحديد ما إذا كانت تُشكّل تحريضًا على الإبادة الجماعية.

 

أولًا: نبذة حول لجنة التحقيق المستقلة:
أُنشئت لجنة التحقيق الدولية المستقلة التابعة للأمم المتحدة المعنية في الأرض الفلسطينية المحتلّة، بما في ذلك القدس الشرقية، وفي إسرائيل من قِبل مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في 27 مايو/أيار 2021 “للتحقيق داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، وداخل

إسرائيل في جميع الانتهاكات المزعومة للقانون الدولي الإنساني وجميع الانتهاكات والتجاوزات

المزعومة للقانون الدولي لحقوق الإنسان التي سبقت 13 أبريل/نيسان 2021 ووقعت منذ هذا التاريخ .”

تتألف اللجنة من ثلاثة أعضاء من الخبراء، تتكون اللجنة من ثلاثة خبراء مستقلين هم :

  نافي بيلاي )جنوب إفريقيا( – رئيسة اللجنة، وكانت المفوضة السامية السابقة لحقوق الإنسان.

  ميلون كوثاري )الهند( – خبير في قضايا السكن وحقوق الإنسان.

  كريس سيدوتي )أستراليا( – خبير في القانون الدولي وحقوق الإنسان.

أصدرت اللجنة منذ تأسيسها العديد من التقارير حول الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية. وكان أخر تلك التقارير بعنوان: ” ” تحليل قانوني لسلوك إسرائيل في غزة وفقًا لاتفاقية

منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها ” الذي جاء في 72 صفحة وقرر مسؤولية إسرائيل عن ارتكاب جرائم إبادة جماعية في قطاع غزة.

ثانياً: أبرز ما جاء في تقرير اللجنة:
-1 ركزت اللجنة في تقريرها على أربع فئات من الأفعال التي يعاقب عليها بموجب المادة

الثانية من اتفاقية الإبادة الجماعية وهي: قتل أعضاء الجماعة؛ وإلحاق أذى جسدي

أو نفسي جسيم بأعضاء الجماعة؛ وفرض ظروف معيشية متعمدة على الجماعة

بهدف تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا؛ وفرض تدابير تهدف إلى منع الإنجاب داخل الجماعة.

-2 استثنت اللجنة الصورة الخامسة من صور الإبادة الجماعية المنصوص عليها بالاتفاقية وهي: نقل الأطفال قسراً. فالواضح أن اللجنة في تقريرها لم تتعرض لهذه الصورة مطلقاً وبررت ذلك بأنها لا تملك أي معلومات أو أدلة حول هذا الامر.

-3 أشارت اللجنة إلى أن متوسط العمر المتوقع لسكان غزة قد انخفض بسبب الحرب،

من 75.5 عاماً إلى 40.5 عاماً، وهو انخفاض يقدر ب 34.9) عاماً( من متوسط

العمر المتوقع.

-4 أشارت  اللجنة بقلق إلى تقرير يفيد بأنه حتى مايو/أيار 2025، أدرج مسؤولو

الاستخبارات الإسرائيلية 8900 مسلح من حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني في

غزة على أنهم قتلى أو يُحتمل أن يكونوا قتلى. وبالنظر إلى مقتل 53 ألف فلسطيني

في هذه المرحلة جراء الهجمات الإسرائيلية، فإن هذا يعني أن %83 من القتلى في غزة كانوا من المدنيين.

-5 لاحظت اللجنة أن قوات الأمن الإسرائيلية قصفّت المناطق الحضرية في قطاع غزة

مرارًا وتكرارًا بأسلحة متفجرة واسعة النطاق، بدلًا من الأسلحة الموجهة بدقة )أو “الذكية(“، مما أدى إلى تدمير الأحياء بالكامل. ويُعدّ عدد القنابل التي استخدمتها

إسرائيل منذ ٧ أكتوبر/تشرين الأول ٢٠٢٣ استثنائيًا حتى بالمقارنة مع صراعات

عالمية أخرى.

-6 تطرقت اللجنة في تقريرها إلى العديد من الحالات التي قتلت فيها إسرائيل مدنيين

فلسطينيين خلال الحرب، ومن خلال تحليل اللجنة لتلك الحالات توصلت للنتائج التالية:

–  بعد تحليل اللجنة لنطاق عمليات القتل، خلصت إلى أن عمليات قتل المدنيين

الفلسطينيين نُفذت على نطاق واسع على مدى فترة زمنية طويلة وفي منطقة جغرافية

واسعة. ولم يُستهدف ضحايا القصف أو يُستهدفوا كمدنيين أفراد بل على العكس،

استُهدف الضحايا جماعيًا بسبب هويتهم كفلسطينيين. لذلك، خلصت اللجنة إلى أن السلطات الإسرائيلية ارتكبت جريمة الإبادة ضد الإنسانية في قطاع غزة بقتلها مدنيين فلسطينيين.

–  توصلت اللجنة أن قوات الأمن الإسرائيلية كانت تنوي استهداف المدنيين الفلسطينيين

في غزة، بمن فيهم الأطفال.

–  خلصت اللجنة إلى أن السلطات الإسرائيلية كانت تنوي قتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين من خلال عملياتها العسكرية في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023،

وكانت تعلم أن وسائل وأساليب الحرب المستخدمة ستؤدي إلى وفيات جماعية

للفلسطينيين، بمن فيهم الأطفال. كما أشارت اللجنة إلى أن الوفيات كانت نتيجةً للقتل المتعمد.

–  خلصت اللجنة إلى أن الفعل الإجرامي والنية الإجرامية لـ “قتل أعضاء الجماعة”

بموجب المادة الثانية )أ( من اتفاقية الإبادة الجماعية قد ثبتا.

-7 ذكرت اللجنة في التقرير العديد من الحالات التي تثبت الحاق إسرائيل للأذى الجسيم بالفلسطينيين كصورة من صور الإبادة الجماعية، ومن تلك الحالات التي استعرضتها اللجنة عدد المصابين الفلسطينين، وتعذيب المعتقلين، والمعاناة النفسية للنازحين. ومن خلال تحليل اللجنة لتلك الحالات توصلت لما يلي:

–  خلصت اللجنة إلى أن قوات الأمن الإسرائيلية قد خلقت عمدًا جوًا من الذعر والرعب

وبثت الخوف الشديد في نفوس الفلسطينيين في غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول

.2023 وقد أُجبر الفلسطينيون على إخلاء منازلهم وتعرضوا للهجوم أثناء محاولتهم الإخلاء، وفقد الكثيرون منهم أفرادًا من عائلاتهم قُتلوا على يد قوات الأمن الإسرائيلية.

–  خلصت اللجنة إلى أن العمليات العسكرية على طول المنطقة العازلة والممرات الموسعة

في غزة قد تسببت، ولا تزال تُسبب، أذىً جسديًا ونفسيًا خطيرًا للفلسطينيين الذين غامروا بالاقتراب من المنطقة أو دخولها، والتي، على نحوٍ ذي دلالة، لم تكن مُعلَّمة.

–  خلصت اللجنة إلى أن الخوف والشعور الدائم بالعجز يُسهمان في الضرر النفسي

الشديد الذي يُعاني منه الفلسطينيون في غزة، بمن فيهم النساء والأطفال، مما يؤثر على قدرتهم على عيش حياة طبيعية وبناءة.

–  خلصت اللجنة إلى أن التدمير المتعمد للعينات الإنجابية الفلسطينية الناجم عن الهجوم

الإسرائيلي على عيادة البسمة لأطفال الأنابيب قد أدى إلى أضرار نفسية شديدة على المديين القصير والطويل، بما في ذلك الحزن واضطراب ما بعد الصدمة، والتي تفاقمت بسبب الصدمة المجتمعية واسعة النطاق في غزة.

–  خلصت اللجنة إلى أن العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي منتشران

على نطاق واسع وممنهج، ويُرتكبان بأشكال مختلفة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول

2023، عندما ارتُكبا ضد أفراد من الذكور والإناث من الجماعة الفلسطينية؛ وقد أسفرت هذه الأفعال عن أضرار مرتبطة بنوع الجنس.

–  ذكرت اللجنة أن النساء الفلسطينيات استهدفن بشكل خاص من حيث التحرش الجنسي

تم تصوير رجال وفتيان في ظروف

فوفق اللجنة فقد

عبر الإنترنت والعنف النفسي.

مهينة ومذلة أثناء تعرضهم لأفعال ذات طابع جنسي، بما في ذلك الاعتداء الجنسي والاغتصاب. وسواء استهدف العنف الجنسي النساء أو الرجال أو الفتيان أو الفتيات، فإنه لم يُمارس فقط بهدف إهانة وإذلال الضحايا المباشرين بشكل عميق، بل لمعاقبة

المجموعة الفلسطينية ككل. وقد ارتُكبت هذه الأفعال ذات الطابع الجنسي باستخدام القوة أو التهديد باستخدامها أو الإكراه، مما تسبب في ضرر نفسي شديد وبالغ للضحايا، حتى في غياب أي عنصر من عناصر الاتصال الجسدي.

–  خلصت اللجنة إلى أن قوات الأمن الإسرائيلية قد ألحقت عمدًا أذىً جسديًا ونفسيًا جسيمًا بالفلسطينيين في غزة. ونظرًا لمدى ومدة العمليات العسكرية، والأذى المتوقع الذي لحق بالضحايا، ووسائل وأساليب الحرب المستخدمة، والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي واسع النطاق والممنهج، ورفض السلطات الإسرائيلية تغيير طبيعة عملياتها العسكرية على الرغم من التحذيرات الخطيرة الصادرة عن

المحاكم الدولية والهيئات الدولية الأخرى وخبراء حقوق الإنسان، ونظرًا لما توصلت

إليه اللجنة من استمرار ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وانتهاكات وتجاوزات لحقوق الإنسان، فمن المنطقي الاستنتاج بأن الضرر قد أُلحق عمدًا.

–  خلصت اللجنة إلى أن الفعل الجرمي والنية الإجرامية المتمثلين في “التسبب في أذى

جسدي أو نفسي جسيم لأعضاء الجماعة” بموجب المادة الثانية )ب( من اتفاقية الإبادة الجماعية قد ثبتت صحتها.

-8 استعرضت اللجنة في التقرير العديد من الحالات التي تثبت أن إسرائيل قد فرضت

ظروف معيشية متعمدة على الجماعة بهدف تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا كصورة من صور الإبادة الجماعية. حيث تطرقت إلى تدمير المباني والأراضي، وتدمير المرافق والوحدات الطبية ومنع الوصول إليها، والنزوح القسري واثره، ووقف إدخال المساعدات الإنسانية والكهرباء والمياه والوقود إلى غزة، والعنف الإنجابي والتأثيرات الصحية والغذائية على المرأة، وآثار انخفاض الرعاية الصحية والغذاء على الأطفال. وبعد تناول اللجنة لكل تلك الحالات بالتفصيل توصلت إلى ما يلي:

–  وجدت اللجنة أن السلطات الإسرائيلية كانت على دراية بالاحتمال الكبير بأن عملياتها العسكرية، وفرض حصار شامل، بما في ذلك منع وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة، وتدمير المساكن والأنظمة والمرافق الصحية، من شأنه أن يؤدي إلى تدمير الفلسطينيين جسديًا، كليًا أو جزئيًا، في غزة.

–  ذكر التقرير أن اللجنة ترى بأن قوات الأمن الإسرائيلية استهدفت ودمرت المرافق

التعليمية في غزة لضمان عدم تمكن الفلسطينيين من اللجوء إلى هذه المواقع، ولمحو الهوية الفلسطينية.

–  خلصت اللجنة إلى أن الفعل الإجرامي والنية الإجرامية المتمثلة في “فرض ظروف معيشية متعمدة على الجماعة بهدف تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا” بموجب المادة الثانية )ج( من اتفاقية الإبادة الجماعية، قد ثبتت صحتها.

-9 استعرض التقرير بعض الحالات التي من خلالها فرضت إسرائيل التدابير الرامية إلى منع الولادات داخل الجماعة، كصورة من صور الإبادة الجماعية. ومن خلال تحليل تلك الحالات توصلت اللجنة لما يلي:

–  أكدت اللجنة أن عيادة البسمة لأطفال الأنابيب كانت مركز الخصوبة الرئيسي في

غزة. أطلقت قوات الأمن الإسرائيلية قذيفة دبابة أصابت العيادة مباشرةً، وتسببت في

انفجار خمس خزانات نيتروجين سائل، مما أدى إلى تدمير جميع المواد الإنجابية

المخزنة فيها   الأغرض الحمل في المستقبل للفلسطينيين.

–  توصلت اللجنة إلى أن قوات الأمن الإسرائيلية كانت على علم بوظيفة عيادة البسمة،

وكانت تنوي استهدافها وتدمير المواد الإنجابية الموجودة بداخلها. الأهم من ذلك، أن

اللجنة استمعت أيضًا إلى شاهد أفاد بأن خبراء الذخائر الذين استُشيروا خلصوا إلى أن العيادة تعرضت “لهجوم مباشر كبير.”

– خلصت اللجنة إلى أن تدمير عيادة البسمة للتلقيح الاصطناعي كان إجراءً يهدف إلى منع الولادات بين الفلسطينيين في غزة.

–  خلصت اللجنة إلى أن الفعل الإجرامي والنية الإجرامية المتمثلين في “فرض تدابير

تهدف إلى منع الإنجاب داخل الجماعة” بموجب المادة الثانية )ج( من اتفاقية الإبادة الجماعية قد ثبتتا.

-10  تطرق التقرير إلى تصريحات  القادة الإسرائيليين الداعية للإبادة الجماعية،

وتوصلت اللجنة أن تلك التصريحات تتضمن مشاعر لاإنسانية تشجع على الكراهية

تجاه الفلسطينيين والعنف ضدهم. وترى اللجنة أن هذه التصريحات الصادرة عن

مسؤولين إسرائيليين تُفسر بشكل معقول على أنها تصريحات تعبر عن نية لتدمير المجموعة الفلسطينية في غزة، وقد تصرفت بناءً عليها قوات الأمن الإسرائيلية في

قطاع غزة. وهي تُمثل دليلًا مباشرًا على وجود قصد خاص. كما توجد أدلة غير مباشرة أو ظرفية على وجود قصد خاص في نمط سلوك السلطات السياسية والعسكرية الإسرائيلية، وفي العمليات العسكرية، مما يُثبت النية المحددة المطلوبة لارتكاب إبادة جماعية في ظل مجمل الأدلة.

-11  أشار التقرير أن السلطات الإسرائيلية حاولت مرارًا وتكرارًا تغيير سرديات الحوادث

بإخفاء المعلومات، وذكر التقرير أمثلة لذلك.

-12  لاحظت اللجنة الهجوم الممنهج والواسع النطاق على المواقع الدينية والثقافية

والتعليمية في جميع أنحاء غزة منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، ووجدت أن هذه الهجمات قد ألحقت أضرارًا جسيمة، وفي كثير من الحالات، لا يمكن إصلاحها، بهذه المواقع. ووجدت اللجنة أن هذه الهجمات كانت تهدف إلى إلحاق ضرر لا رجعة فيه بالفلسطينيين في غزة من خلال تدمير عناصر من هوية الشعب الفلسطيني ومحو الثقافة الفلسطينية من غزة.

-13  خلصت اللجنة إلى أن إسرائيل استخدمت التجويع كأسلوب حرب بفرض حصار

شامل على غزة ومنع دخول المساعدات الإنسانية إليها. كما توصلت اللجنة إلى أن

سلوك السلطات الإسرائيلية يشير إلى نية تدمير الجماعة الفلسطينية في غزة من خلال التجويع ومنع وصول المساعدات الإنسانية إلى غزة. كما رأت اللجنة أن نية السلطات الإسرائيلية في فرض المجاعة وظروف معيشية قاسية على الفلسطينيين يتجلى بشكل مستمر من خلال إنشاء صندوق الإغاثة الإنسانية العالمي واستخدامه للحفاظ على السيطرة الكاملة على توزيع المساعدات في غزة.

-14  ذكرت اللجنة في تقريرها أن قوات الأمن الإسرائيلية لم تكتف بتدمير نظام الرعاية

الصحية، بل واصلت قتل وإيذاء الفلسطينيين، مع عرقلتهم عمدًا من الوصول إلى

المساعدة والمرافق الطبية التي هم في أمسّ الحاجة إليها. لذلك، خلصت اللجنة إلى

أن التدمير المنهجي والكامل لنظام الرعاية الصحية في غزة، وحرمان الفلسطينيين من الضروريات الطبية بسبب الحصار، ورفض منح تأشيرات الخروج الطبية للفلسطينيين الأكثر حاجة إليها، كان جزءًا من نية تدمير الفلسطينيين في غزة من خلال منع قدرتهم وإمكانيتهم على الشفاء والتعافي والعيش.

-15  أكد التقرير أنه بناءً على أدلة قاطعة تمامًا، خلصت اللجنة إلى أن تصريحات

السلطات الإسرائيلية تُعدّ دليلًا مباشرًا على نية الإبادة الجماعية. كما أنه استنادًا إلى أدلة ظرفية، خلصت اللجنة إلى أن نية الإبادة الجماعية كانت الاستنتاج المعقول الوحيد الذي يُمكن استخلاصه بناءً على نمط سلوك السلطات الإسرائيلية. وبالتالي، خلصت اللجنة إلى أن السلطات الإسرائيلية وقوات الأمن الإسرائيلية لديها نية إبادة جماعية لتدمير الفلسطينيين في قطاع غزة كليًا أو جزئيًا.

-16  خلصت اللجنة إلى أن “التحريض المباشر والعلني على ارتكاب جريمة إبادة

جماعية” بموجب المادة الثالثة )ج( من اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية قد ثبتت صحته فيما يتعلق بالخطابات والتصريحات المذكورة أعلاه للرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ، ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع آنذاك يوآف غالانت. ولم تُقيّم اللجنة بشكل كامل تصريحات قادة سياسيين وعسكريين إسرائيليين آخرين، بمن فيهم وزير الأمن القومي إيتامار بن غفير، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وترى أنه ينبغي تقييمها هي الأخرى لتحديد ما إذا كانت تُشكل تحريضًا على ارتكاب جريمة إبادة جماعية.

-17  ذكرت اللجنة، أنها لا تملك أي دليل على أن إسرائيل أجرت أي تحقيقات أو

ملاحقات قضائية أو محاكمات حقيقية تتعلق بالجرائم التي يرتكبها قادتها أو جنودها.

-18  خلصت اللجنة إلى أن دولة إسرائيل مسؤولة عن ارتكاب إبادة جماعية ضد

الفلسطينيين في غزة كجماعة، وتحديدًا عن الأفعال المنصوص عليها في المادتين الثانية )أ( و)د( من اتفاقية الإبادة الجماعية: )أ( قتل أفراد من الجماعة؛ )ب( إلحاق أذى جسدي أو نفسي جسيم بأفراد من الجماعة؛ )ج( فرض ظروف معيشية متعمدة على الجماعة بهدف تدميرها المادي كليًا أو جزئيًا؛ و)د( فرض تدابير تهدف إلى منع الإنجاب داخل الجماعة.

-19  خلصت اللجنة إلى أن دولة إسرائيل قد فشلت في منع ارتكاب الإبادة الجماعية

والمعاقبة عليها، وفقًا لما تقتضيه المادة الأولى من اتفاقية الإبادة الجماعية.

-20  خلصت اللجنة إلى أن أفعال إسرائيل تُعدّ انتهاكات لالتزاماتها بموجب اتفاقية

الإبادة الجماعية، وتحديدًا ارتكاب أجهزتها جريمة إبادة جماعية، وتقصيرها في منع ارتكابها والمعاقبة عليه. ويُلزم إسرائيل بما يلي: )أ( الوقف الفوري لجميع الأنشطة،

بما في ذلك العمليات العسكرية، التي تتعارض مع التزاماتها بموجب اتفاقية الإبادة

الجماعية؛ )ب( الامتثال لجميع التدابير المؤقتة التي أمرت بها محكمة العدل الدولية،

واتخاذ جميع التدابير في حدود سلطتها لمنع ارتكاب جميع الأفعال التي تندرج في نطاق المواد الثانية )أ( إلى )د( من اتفاقية الإبادة الجماعية، والمعاقبة عليها؛ و)ج( تقديم تعويض كامل عن الضرر والضرر الذي لحق بالفلسطينيين كمجموعة، وذلك في شكل رد الحقوق والتعويض والترضية.

-21  أشارت اللجنة إلى أنه ينبغي على إسرائيل أن تتيح للجنة الوصول إلى غزة وتسمح

لها بدخولها للتحقيق في مزاعم الإبادة الجماعية، امتثالًا لأمر محكمة العدل الدولية.

-22  خلصت اللجنة إلى أن إسرائيل مسؤولة بموجب المادة الثالثة )ج( من اتفاقية

الإبادة الجماعية عن التحريض المباشر والعلني من قِبل مسؤوليها على ارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة كمجموعة.

-23  أكدت اللجنة على أن على إسرائيل واجب التحقيق مع الأشخاص، بمن فيهم القادة

السياسيون والعسكريون وأفراد قوات الأمن الإسرائيلية، الذين حرضوا الآخرين بشكل مباشر وعلني على ارتكاب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في غزة كمجموعة، ومعاقبتهم عند الاقتضاء.

-24  أوصت اللجنة في ختام تقريرها إسرائيل بالتنفيذ الفوري لوقف إطلاق نار دائم

وشامل في غزة، وإنهاء جميع العمليات العسكرية في الأرض الفلسطينية المحتلة التي

تنطوي على ارتكاب أعمال إبادة جماعية؛ وإنهاء سياستها المتعلقة بالتجويع فورًا،

وإنهاء توزيع المساعدات الغذائية من خلال مؤسسة غزة الإنسانية؛ وضمان وصول المساعدات الإنسانية بشكل كامل ودون عوائق، على نطاق واسع ومن خلال نقاط توزيع متعددة في جميع أنحاء قطاع غزة، بما في ذلك الغذاء والمياه النظيفة والمعدات الطبية والأدوية، إلى جميع مناطق غزة، من خلال استجابة إنسانية بقيادة الأمم المتحدة.

-25  أوصت اللجنة في ختام تقريرها دول العالم بوقف نقل الأسلحة والمعدات أو المواد

الأخرى، بما في ذلك وقود الطائرات، إلى دولة إسرائيل أو دول ثالثة حيثما يكون هناك سبب للاشتباه في استخدامها في العمليات العسكرية التي تضمنت أو قد تتضمن ارتكاب إبادة جماعية؛ وضمان عدم تورط الأفراد والشركات في أراضيها وضمن ولايتها

القضائية في ارتكاب إبادة جماعية، أو المساعدة في ارتكابها أو التحريض على ارتكابها، والتحقيق مع أولئك الذين قد يكونون متورطين في هذه الجرائم ومقاضاتهم بموجب القانون الدولي؛ وتسهيل التحقيقات والإجراءات المحلية واتخاذ إجراءات )بما في ذلك فرض عقوبات( ضد دولة إسرائيل وضد الأفراد أو الشركات المتورطين أو المسهلين لارتكاب إبادة جماعية أو التحريض على ارتكابها.

-26  أوصت اللجنة في ختام تقريرها المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، بدراسة

جريمة الإبادة الجماعية، في إطار تحقيقها المستمر في الوضع في دولة فلسطين،

لتعديل أوامر التوقيف الحالية وإضافة طلبات أخرى إليها مستقبلًا؛ ودراسة تورط

المسؤولين المذكورين في هذا التقرير لإدراجهم ضمن قائمة المسؤولين الأكثر مسؤولية عن الجرائم الدولية المرتكبة في الأرض الفلسطينية المحتلة.

أهمية تقرير اللجنة:

 

ثالثاً:

-1 يشكل هذا التقرير سجلًا رسمياً يوثق جرائم الإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل بحق الفلسطينين في قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر لعام 2023م.

-2 يعد هذا التقرير مرجعاً حيادياً يمكن استخدامه أمام الهيئات القضائية الدولية مثل: محكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية. لا سيما وأن التقرير يستخدم معايير اتفاقية الإبادة الجماعية ويقارن الأفعال الفعلية والنوايا مع ما تنص عليه الاتفاقية.

-3 يمنح هذا التقرير الدول الأعضاء في الأمم المتحدة أساساً قانونياً لاتخاذ مواقف سياسية أكثر وضوحاً ضد سياسة الاحتلال وجرائمه.

-4 من شأن هذا التقرير أن يضعف الرواية الإسرائيلية التي تحاول قلب الحقائق وتبرير جرائم الاحتلال.

-5 يحمل التقرير الدولة الإسرائيلية بشكل مباشر – ليس فقط الأفراد – المسؤولية عن أفعال

الإبادة الجماعية، وهذا يفتح الباب أمام قضايا دولية ومساءلة على مستوى الدولة.

-6 مثل هذا النوع من التقارير يُثير اهتمام وسائل الاعلام، المنظمات الحقوقية، والمواطنين

حول العالم؛ الأمر الذي يزيد من الضغط الشعبي على الحكومات لاتخاذ مواقف ضد إسرائيل.