قرار مجلس الأمن… لحظة التحوّل التي تُعيد تعريف مستقبل القضية الفلسطينية

بقلم : م.محمد علي العايدي

لم يكن قرار مجلس الأمن الأخير بشأن غزة حدثًا عابرًا في مسار الدبلوماسية الدولية تجاه فلسطين. فترحيب دولة فلسطين، بقيادة الرئيس محمود عباس، لم يأتِ على شكل بيان بروتوكولي أو ردّة فعل رمزية؛ بل جاء بوصفه إعلانًا سياسيًا كامل الأركان، يعكس استعدادًا لتحمّل مسؤولية اللحظة التاريخية، واستثمار المناخ الدولي المتغيّر لإعادة وضع المشروع الوطني الفلسطيني على سكّته الصحيحة.

 

أولًا: قرار يعيد الاعتبار للثوابت الوطنية

القرار الذي قدّمت الولايات المتحدة صياغته، وصوّت عليه مجلس الأمن، تضمّن مبادئ تكاد تشكّل جوهر الإجماع الوطني الفلسطيني:

•       وقف إطلاق نار دائم وشامل يحمي المدنيين ويوقف نزيف الدم.

•       إدخال المساعدات الإنسانية بلا عوائق لإنهاء كارثة غير مسبوقة في تاريخ غزة.

•       تأكيد حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بوصفه حقًا غير قابل للتصرف.

•       إقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 كحلّ معترف به دوليًا وعربيًا.

هذه البنود ليست “مكاسب سياسية” بقدر ما هي استعادة لمنطق الدولة الذي ضاع سنوات طويلة بين الحصار والانقسام ولسان السلاح.

ثانيًا: جاهزية فلسطينية ومسؤولية وطنية

القيادة الفلسطينية أعلنت استعدادها للتعاون مع:

•       الولايات المتحدة،

•       الدول العربية والإسلامية،

•       الاتحاد الأوروبي،

•       الأمم المتحدة،

•       جميع القوى الدولية المشاركة في إعلان نيويورك.

هذه ليست شبكة تحالفات عابرة؛ بل عودة فلسطين إلى مركز القرار الدولي بعد أن ظلّ المشهد مختطفًا لصالح منطق الفصيل المسلّح الذي لا يعرف إلا لغة القوة، ولو كان ثمنها خراب غزة وتحويل ملايين السكان إلى رهائن سياسية.

 

ثالثًا: غزة بحاجة لإدارة وطنية… لا لسلطة الفوضى

اختصار مأساة غزة بكلمة واحدة: الفراغ.

فراغ مؤسسي، وفراغ قانوني، وفراغ في القرار الوطني.

غزة التي قدّم أهلها تضحيات هائلة، لم تكن بحاجة إلى “سلطة ميدانية” تُحكم بقواعد الفلتان، ولا إلى قرارات تُتخذ بمنطق “السلاح أولًا، والحياة آخرًا”.

غزة اليوم تحتاج:

•       إدارة فلسطينية موحّدة،

•       مؤسسات تعمل وفق القانون،

•       سلطة وطنية تستعيد النظام ولا تفرضه بالقوة،

•       مشروع إنقاذ اقتصادي واجتماعي شامل.

رابعًا: الفصيل الذي صرخ بالخيانة… هو ذاته من تاجر بالوجع

 

الجهة التي تهاجم القرار اليوم، وتصور نفسها الحارس الوحيد لفلسطين، هي نفسها التي:

•       ورّطت القطاع في 24 شهرًا من الجحيم بلا حساب للكلفة الإنسانية.

•       رفضت جميع المبادرات ثم عادت تلهث خلف “ضمانات دولية” عندما وصل السقف إلى حدّ الانهيار.

•       رفعت شعارات لم تكن يومًا مستعدة لدفع ثمنها سياسيًا أو وطنيًا، ثم تخلّت عنها عند أول اختبار حقيقي.

إنّ استمرار الخطاب القائم على “كل شيء ما عدا الدولة” لم يعد قابلًا للحياة. وليس منطقًا أن يُمنَع الشعب من الحلول الواقعية لأن فصيلًا يخشى خسارة سلطته.

 

خامسًا: من يرفض القرار… فليقدّم بديلاً غير الكارثة

من يهاجم وقف إطلاق النار، والمساعدات، ومنع المجاعة، وإحياء مشروع الدولة، عليه أن يعلن بوضوح:

ما هو البديل؟

المزيد من الموت؟

المزيد من الدمار؟

المزيد من الشعارات التي لا تُطعم طفلًا جائعًا ولا تحمي عائلة مشردة؟

400 ألف شهيد وجريح ومفقود… ليست “هامشًا في معركة”، بل مجتمع كامل تحطم.

والخيار الأخلاقي والسياسي الوحيد اليوم هو الحياة.

سادسًا: لحظة إجماع عربي ودولي… وغياب وحيد

من رام الله إلى القاهرة، ومن الرياض إلى أبوظبي، ومن نيويورك إلى بروكسل… هناك حركة صوب إنقاذ غزة وإعادة بنائها، وإطلاق مسار واقعي نحو الدولة الفلسطينية.

الصوت الوحيد الخارج عن هذا الإجماع هو صوت من يخشى أن يُسقط القرار سلطته، لا أن يسقط الاحتلال.

 

الخلاصة: شهادة وفاة لفكرة الفصيل… وبداية عودة الدولة

القرار الأخير لا يكتب فقط شهادة انتهاء مرحلة فصائلية عبثية، بل يفتح الباب نحو:

•       توحيد السلطة،

•       إعادة بناء غزة،

•       إطلاق عملية سياسية تُنهي الاحتلال،

•       وترسيخ شرعية منظمة التحرير بوصفها الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني.

 

إنها لحظة مفصلية…

إما دولة تُبنى، أو كارثة تتكرر.

 

والقيادة الفلسطينية أعلنت خيارها بوضوح:

نحن مع الشعب… ومع الحل… ومع المستقبل.