«قسماً إسرائيل إلى زوال وسنعبر»..متى؟!

السفير د. هشام حمدان

كتبت صحيفة لبنانيّة نقلا عن مسؤول في “فيلق القدس”، أنّ حزب إيران في لبنان، يملك الآن أكثر من مليون صاروخا لمواجهة إسرائيل. وظهر في الصّورة التي أرفقتها بهذا الخبر، صورة عناصر لذلك الحزب، خلال مناورة في عرمتى، وخلفهم لوحات نشر عليها شعارات تقول: قسما، إسرائيل إلى زوال، قسما سنعبر. سألت نفسي بعفوية كليّة: متى؟
حزب “المقاومة” الذي يملك مليون صاروخا، ويخوض حربا ضروسا منذ أشهر، بحجّة إسناد مقاتلي غزة، وفقد عشرات القتلى، وشهد تدمير قرى وبلدات بكاملها في بيئته الحاضنة، وساهم بإفراغ مناطق واسعة من شمال إسرائيل، ويرى جراح أهل غزة وآلامهم، ودمار ساحتهم وتهجيرهم وقتل الاطفال والتجويع وسياسة التّطهير العرقي من دون مواربة، والإدانات التي وصفتها بأنّها إبادة جماعيّة لم يحصل مثلها منذ ايام النازيين. ورغم ذلك، يحتفظ حزب إيران بجأشه، ويتابع شعاراته بالعودة إلى القدس، وإزالة إسرائيل.

 

انا واثق ان هذه الشعارات ليست اكثر من شعارات. الحقيقة ان لا ارادة ابدا بالحرب ضد إسرائيل. ايران لا تريد الحرب،
سأل صديقي الكاتب الدّكتور ليون سيوفي هل تتوقّعون قصف حقل كاريش؟ لماذا لا تقصف “المقاومة” كاريش المموّل الرّئيسي للكيان الإسرائيلي، وهي الأقرب لنا حدوديّا؟ ولماذا لا تضغط “المقاومة” لإلغاء إتفاق العار بالتنازل عن حقل كاريش طالما هو العدو، ونحن بحرب معه؟ ألا تلغى هذه الحرب، الإتّفاقيّات البائسة والجارفة بحقّ لبنان؟
لا أحد تخدعه هذه الشّعارات، أللّهم إلّا الذين أعماهم عشقهم، وطغت عليهم مشاعر العصبيّة الطّائفيّة، أو القوميّة المقيتة، أو.. باعوا ضمائرهم الوطنيّة على رنين الدّولار والسّلطة. يذهب الوطن، وتدمّر وحدة شعبنا، ويتشتّت أبناؤنا، ويفتقر إنساننا ويجوع، وتنهب أمواله وتسرق احلامه، وكلّ ذلك، لا يعني شيئا للعاشقين الكرام، والذين تغلبهم العصبيّة، أو يضجّ بآذانهم رنين الدّولار. ضاع العقل، فالهوى أقوى من المنطق. ضاع العقل، فالعصبيّة أدهى من الفكر. ضاع العقل، فالدولار يشتري الغباء والصّمت.

 

عندما خرجت ثورة 17 تشرين في لبنان، كانت جامحة، تردّد هتافات تعرّي واقعنا لكنّها كانت حالمة، لا تعرف هي نفسها البدائل المنشودة لذلك الواقع. أذكر كم كان الثّوار يعارضونني يوم كنت أشرح أنّ لا إصلاح في لبنان دون إنهاء سلاح ما يسمّى “مقاومة”. شرحت، وشرحت ترابط المصالح السّياسيّة الدّوليّة بكلّ ما يحدث على أرضنا، ومن حولنا، ساعيا إلى إقناع الثّوار بوضع رؤية واضحة لمطالبهم،وأهدافهم، يمكن أن تتحوّل برنامج عمل جامع يحمي وطننا، ويعزّز جيشنا، ويحدّد ما نريده من إصلاحات متوافقة مع واقع العولمة، ممّا يخرج بلدنا من لعبة “الفوضى الخلّاقة” القائمة في المنطقة.

 

توزّعت الثّورة على عشرات المجموعات. كانت معظم المجموعات تخشى مواجهة “المقاومة”. وكان معظم قاداتها يستغلّون الثّورة لأغراض ذاتيّة فيرفعون ما يناسب مشاعر النّاس من غضب ضدّ الدّولة، ويتجاهل من يلعب بالدّولة، ويمنعها أن تعود للعب دورها السّيادي. ألتّصويب على الدّولة الضّعيفة، أسهل من التّصويب على “المقاومة” التي لا تتردّد في استخدام التّرهيب، وقتل من يخالفها.

وأكّدت الثّورة، أنّ النّاس ما زالوا غير جاهزين لوطن سيّد مستقلّ فعلا. إنتهى دورها وعادت إلى طيّ النسيان. أنا أعتقد أنّ ثورة 17 تشرين كانت جزءا من لعبة الفوضى الخلّاقة للسّياسيّين الأميركيّين الذين يقسمون اليمين على دستور يخالفون مضمونه كلّ لحظة. كان لهم أهدافهم. ولذلك كنّا نصرّ على صياغة أهداف واضحة مبنيّة على مصلحة لبنان فوق أيّة مصلحة اخرى. ثوّار 17 تشرين خرجوا بعفويّة، ومن خلق لهم أجواء الثّورة، عرف كيف يوقفها يوم تحوّلت خارج أهدافه.

 

وأكدت الأحداث اللّاحقة أنّ القوى الفاعلة تناست كلّيّا ما سمي بثورة 17 تشرين. ظلّت الشّعارات مرفوعة. وعادت لعبة التّفاوض وتقاسم المغانم. فكانت صفقة كاريش وغيرها. وكلّ ذلك على حساب شعبنا ووطننا. لن نخرج من هذه ّ طالما أنّ المواطن اللّبناني لا يحدّد، أو يتبنّى موقفا واضحا إزاء الأحداث الجارية. من واجبنا أن نعمل لهذا الغرض. وأوّل ما يفترضه هذا العمل، أن لا نقبل في أيّة لحظة بتحويل مبادئنا، ومفاهيمنا، إلى سلاح يستخدم ضدّ أهلنا، ووحدتنا الوطنيّة. الإصلاح، وبناء السّلام في لبنان، يبدأ عندما نفهم أنّنا شركاء في هذا الوطن، وأنّ حرّيّتنا تنتهي، عندما تبدأ حرّيّة الآخرين.
هل يشعر بنا أولئك الشّباب الذين خضعوا للتّدريب في عرمتّى، أو غيرها، في ظلّ الشّعارات المرفوعة؟ هل يؤمنون أنّنا شركاء معهم في هذا الوطن؟ على هؤلاء أن يدركوا أنّ لا حال يدوم. فإذا كانوا اليوم أقوى من باقي أهلهم، فإنّ الغد قد يبدّل الأمور.

شاهد أيضاً