في عملية غير متوقعة، وخطوة يمكن اعتبارها الأكثر جنونا، قامت حكومة نتنياهو بقصف وفد حماس المفاوض الذي التقى لتدارس مبادرة الرئيس ترامب حول الصفقة الشاملة في العاصمة القطرية الدوحة، الأمر الذي قلب المعادلات التي طالما اعتُبرت ثابتة، فبعد سنوات من اعتبار الدوحة إحدى أبرز ساحات الحركة السياسية والإعلامية، لم يعد بإمكان قادة حماس الاطمئنان إلى أن قطر تشكل لهم الملاذ الآمن كما في السابق، فالأمن بالنسبة لهم لم يعد مضمونا لا في أرض معادية لإسرائيل مثل ايران ولبنان ولا أرض غير معادية مثل قطر، التي تجمعها علاقات جيدة مع اسرائيل.
ومنذ سنوات تُعرف قطر بأنها الدولة الخليجية الأكثر انفتاحا على استقبال قيادات حماس وتوفير مساحة سياسية وإعلامية لهم، بل لعبت أدوارا وساطة بين الحركة وإسرائيل عبر قنوات دبلوماسية غير معلنة، لكن الضربة الإسرائيلية الأخيرة، سواء جاءت على شكل عملية استخبارية، أو عبر ضغوط سياسية ودبلوماسية، بعثت برسالة مباشرة مفادها بأنه لا أحد محصّن، حتى في قلب الدوحة.
ضربة في الصميم واغتيال مع سبق الإصرار في المكان والزمان بكل تفاصيل اللحظة والوقت، وبكل الأبعاد التي تحملها دوحة قطر، فهذا الاستهداف على أرضها له أبعاد إقليمية لا تقل أهمية عن الأسماء التي نجت من عملية القصف، فالدوحة تجد نفسها اليوم أمام معادلة صعبة، فمن جهة، تريد الاستمرار في لعب دور الوسيط الإقليمي والحفاظ على صورتها كقوة دبلوماسية مرنة، ومن جهة أخرى، تواجه ضغوطا متزايدة من الغرب، وعلى رأسه الولايات المتحدة، لضبط علاقة حماس وتقليص نفوذها، وأن أي تراخٍ قد يُترجم إلى تحميل قطر مسؤولية غير مباشرة عن استمرار الصراع.
ومن المؤكد أن هذا التطور الخطير يحمل أبعادا استراتيجية لحركة حماس، بداية فقدان الملاذ الآمن، حيث لم تعد قطر مضمونة، فهذا يعني تقليص خيارات الحركة في البحث عن أماكن بديلة، مرورا بالضغوط الداخلية على الحركة، إذ أن وجود قادتها في مناطق غير مستقرة سياسياً قد يضعف تماسك القيادة، وليس انتهاء بالتضييق على التحرك الدبلوماسي، وانحسار المنابر الدولية التي يمكن للحركة الاستفادة منها لإيصال روايتها.
إن قصف المفاوضات والمفاوضين يعني أن حكومة نتنياهو، ومعها ترامب الداعم والراعي، قد قررا المضي في حرب الإبادة الجماعية بغزة، وقررا اغتيال المفاوضين وتمزيق صفحة التفاوض مع حركة حماس، وللاستهداف رسائل لها ما وراءها من اسرائيل، أولها ردع حماس عبر القول إن قادتها لن يكونوا بمنأى عن الاستهداف أينما كانوا، وثانيها هو تحذير للوسطاء، خاصة قطر، من أن الاستمرار في توفير مظلة للحركة لن يمر دون ثمن سياسي وأمني.
بكل تأكيد، أن الحدث الأخير يؤشر إلى أن مرحلة “الملاذ الآمن” التي تمتعت بها حماس في قطر قد تقترب من نهايتها، وهو تطور سيزيد من تعقيد المشهد الإقليمي، ويفتح الباب أمام إعادة رسم خريطة تحالفات الحركة وخياراتها المستقبلية، فيما ستجد قطر نفسها مضطرة لموازنة دقيقة بين طموحاتها الدبلوماسية وضغوط القوى الكبرى، وهو ما قد ينعكس على موقعها في معادلة الشرق الأوسط.