تسعى الصين الشعبية للإسهام بدور إيجابي في ترميم الجسور بين القوى الفلسطينية، وخاصة بين حركتي فتح وحماس، كجزء من احساسها بمسؤولياتها الأممية تجاه الأصدقاء الفلسطينيين، ولشعورها لحاجة الشعب الفلسطيني في زمن حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية للوحدة، كأحد روافع تعزيز مكانة القضية الفلسطينية، ولإدراكها أهمية ومكانة القضية الفلسطينية في معادلات الصراع الإقليمية والدولية، وللتكامل مع حليفها الاتحاد الروسي في رأب الصدع بين أقطاب الساحة الفلسطينية، وطي صفحة الانقلاب الأسود بعد 17 عاما على ذكراه الأليمة، وندوبها السوداء على تاريخ الكفاح الوطني التحرري.
وتمكنت القيادة الصينية من جمع حركتي فتح وحماس في بكين نهاية ابريل مطلع مايو الماضي، نجم عن اللقاء اتفاق على خطوط عريضة تضمنها بيان صادر عن الناطق باسم الخارجية الصينية، لين جيان، جاء فيه ” جاء ممثلو حركة فتح وحركة المقاومة الإسلامية الى بكين مؤخرا لإجراء مشاورات لتعزيز المصالحة الفلسطينية واجراء حوار متعمق وصريح بين الجانبين، وأعربوا عن ارادتهم السياسية لتحقيق المصالحة من خلال الحوار والتشاور، وناقشوا العديد من القضايا المحددة وحققوا تقدما إيجابيا، واتفقوا بالإجماع على مواصلة عملية الحوار هذه، والسعي لتحقيق الوحدة الفلسطينية.” واعتبر ذلك نقطة دفع إيجابية نحو الوحدة الوطنية، لما تضمنه من خطوط عامة تشكل أرضية صالحة لمواصلة الحوار الثنائي والمشترك بين الفصائل المختلفة، وخاصة حركتي فتح وحماس.
حتى ان روسيا الاتحادية ممثلة بما أكد عليه المبعوث الخاص للرئيس الروسي لشؤون الشرق الأوسط، ميخائيل بوغدانوف “عزم موسكو وبكين على الاسهام في توحيد الصف الفلسطيني،” في اعقاب اتصال عزام الأحمد، ممثل حركة فتح في الحوار آنف الذكر معه، ووضعه في صورة النتائج الإيجابية وهو في طريق العودة من بكين للوطن. ولم تكتف موسكو بذلك، بل ان وزارة الخارجية الروسية أصدرت بيانا في اعقاب الاتصال، جاء فيه “أخذا بعين الاعتبار نتائج الاجتماعات الفلسطينية في موسكو وبكين، تم الاتفاق على مواصلة الجهود الهادفة الى توحيد الصف الفلسطيني في الضفة الغربية والقدس الشرقية وقطاع غزة على أساس البرنامج السياسي لمنظمة التحرير، بما في ذلك بمساعدة منسقة من روسيا والصين.”،
وكلا بياني القطبين الصيني والروسي عكسا الاهتمام الخاص بكل دولة على انفراد، وبشكل مشترك بالحوار الفلسطيني، والعمل على تحقيق اختراق إيجابي على طريق الوحدة الوطنية، لا سيما وان لهما ثقل سياسي وديبلوماسي في المنظومة العالمية، وفي معادلات الصراع الدولية، مما يمنح القضية الفلسطينية والمشروع الوطني زخما قويا في مواجهة التحديات الإسرائيلية الأميركية والرأسمالية الغربية عموما.
وفي اطار حرص القيادة الصينية على مواصلة الحوار بين الفصائل الفلسطينية، حضر قبل 10 أيام تقريبا المبعوث الصيني، واجرى لقاءات مع ممثلي حركة فتح، ومع فصائل العمل الوطني في مقر السفارة الصينية في رام الله، وكان التقى بممثلي حركة حماس في الدوحة والفصائل الأخرى في دمشق، ودعا أولا للقاء بين حركتي فتح وحماس في 21 و22 يونيو في بكين، يليهما لقاء لكل الفصائل في 23 يونيو في العاصمة الصينية، وافقت حركة فتح على المقترح الصيني، لكنها طالبت بتأجيل اللقاء الى 8 و9 يوليو القادم بين الحركتين، يعقبه لقاء مشترك للفصائل جميعا، وتم الاتفاق على ذلك، لكن بعدما ابلغ ممثلو الصين قيادة حركة حماس بالدعوة بالترتيب الجديد للحوار مع فتح، رفضت ذلك.
ووفق مصادر عليمة، فإن مسؤول العلاقات الفلسطينية، موسى أبو مرزوق في حركة حماس أرسل رسالة لممثلي الصين في الأيام الأخيرة قلب فيها الحقائق لجهة أولا ادعائه ان “قبول حركة فتح اللقاء الثنائي يتناقض مع أسباب رفضها اللقاء الجماعي.” وفتح لم ترفض لا اللقاء الثنائي ولا الجماعي؛ ثانيا ادعى انه تم الاتفاق على جدول اعمال اللقاء مع الفصائل، وتم تسليم الاتفاق لوزارة الخارجية الصينية بشكل مشترك، ومما أوردته أعلاه في بيان الخارجية الصينية، أكد على ضرورة مواصلة اللقاءات الثنائية والموسعة مع الفصائل. والاهم لم تشر الخارجية من قريب او بعيد على صيغة اتفاق متبلور بين الحركتين، بتعبير آخر، بقي قوس الحوار مفتوحا بينهما؛ ثالثا تساؤل عضو المكتب السياسي لحركة حماس عن جدوى اللقاء الثنائي بين الحركتين؟ وهذا الامر غريب، لان تمكن الحركتين من الاتفاق المحدد والواضح على خطوات تجسير الوحدة الوطنية يشكل الأساس الناظم لها، ودفعها قدما للأمام. واسأل هنا ما الخشية من اللقاء الثنائي؟ اليس مطلوبا تعزيز الحوار بين الحركتين لردم الهوة في نقاط الخلاف، أم وراء الاكمة ما وراءها؟ رابعا الادعاء بأن حركة فتح، هي من رفضت اللقاء عار عن الصحة. لان فتح طلبت تأجيل اللقاءات، وهناك فرق شاسع بين التأجيل ورفض اللقاءات، والعكس صحيح، تسعى حماس لقلب الحقائق كما هي عادتها ومهنتها دوما للتهرب من استحقاق الوحدة. لأنها لا تريد لخيار الوحدة المضي قدما، وكل ما يريده أبو مرزوق وقادة حماس من اللقاءات مع الصينيين، هو إقامة علاقات خاصة بها مع الصين، وليس حرصا على منح بكين شرف الاسهام بالوحدة.
كما ان وضع حماس العصي في دواليب اللقاء يتساوق مع ما يجري من خطوات لإقامة بديل عن منظمة التحرير في الدوحة ولندن وبرلين وسويسرا وغيرها من العواصم، حتى ان جماعة الاخوان المسلمين في الولايات المتحدة أخذوا بالتحرك دعما للخطوات التي يقودها عزمي بشارة ومعين الطاهر ومصطفى البرغوثي، التي تهدف لإيجاد بديل عن منظمة التحرير الممثل الشرعي والوحيد.
إذا رفض اللقاء، وقلب الحقائق رأسا على عقب، فضلا عن انه جزء من ديدنهم، الا انه أيضا يسير باتجاه رفض المصالحة الوطنية، والسعي للانقلاب على منظمة التحرير، وهي ليست المرة الأولى، بل يمكن ان تكون العاشرة لحركة حماس ومن يدور في فلكها من قوى اسلاموية واشباه يسارية، الامر الذي يفرض على الأصدقاء الصينيين الانتباه جيدا للعبة الاخوان المسلمين، الذين لا يؤمنون بالوحدة والشراكة السياسية، مع انها الدرس الأهم من حرب الإبادة الجماعية في يومها 264.