قمة البحرين.. مغادرة مربع الضعف ضرورة للأمن العربي ؟

فوزي علي السمهوري

تتزامن قمة البحرين مع ذكرى مرور 76 عاما على النكبة التي حلت بالشعب الفلسطيني، وتهجيره قسراً خارج وطنه التاريخي، والإعلان عن صناعة الكيان الإستعماري الإحلالي الإسرائيلي على أرض فلسطين، كواجهة وإداة وقاعدة تهديد وأداة توظفها القوى الإستعمارية خدمة لمصالحها وأهدافها، لضمان تقويض إمكانية تحقيق نظام عربي موحد، وما يتطلبه من إدامة وترسيخ الإنقسام والخلافات البينية العربية سياسيا وجغرافيا، التي أفرزتها نتائج الحرب العالمية الأولى عقب اتفاقيات سايكس بيكو وسان ريمو، وكرستها نتائج الحرب العالمية الثانية التي لا زلنا نعيش نتائجها مع ما رافقها ويرافقها من خطط وسياسات استعمارية، تهدف إلى تعزيز النزعة القطرية على حساب الإنتماء القومي العربي الشامل.

قمة البحرين والنظام العالمي الجديد:
بعد أيام تلتئم القمة العربية في البحرين، والوطن العربي يغرق في أزمات وخلافات بينية تعصف في حال استمرارها بالأمن القومي القطري، كما عصفت بالأمن القومي العربي، بل وبوحدة واستقرار أقطاره، مما يستدعي أن تؤسس قمة البحرين عملا لا قولا للعمل على:

أولا: الخروج من مربع المفعول به والتبعية إلى مربع الفاعل، ومن مربع الإنقسام والضعف إلى مربع الوحدة والقوة على كافة الأصعدة، التي تمتلك الكثير من عناصرها وأدواتها.

ثانيا: رفض عملي للخضوع لأي شكل من أشكال التبعية لأي من أقطاب القوى العالمية، قديمها وجديدها وفرض مصالح وأمن الوطن العربي الكبير بأقطاره المتعددة، من موقع القطب الفاعل المستقل على الساحة العالمية، مع قرب ولادة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب الذي بدت ملامحه تظهر وتتضح .

ثالثا: ألتاسيس لإحداث نهضة علمية وتكنولوجية وصناعية بما فيها بالتأكيد “الصناعات العسكرية “، والتطور من حيث انتهى العالم، بالاعتماد على قوانا ومواردنا واستثمار وحشد طاقات جميع الكفاءات من أبناء الشعب العربي.

رابعاً: تعزيز وتحفيز وبناء مؤسسات بحثية على قاعدة التكامل في مؤسسات الدولة وفي الجامعات والمعاهد، مع إعادة النظر بالمناهج التعليمية ومخرجاتها على مراحلها المختلفة.

خامسا: ترجمة التكامل الإقتصادي العربي من شعارات إلى واقع عملي، فهذا سيؤدي إلى إحداث تنمية مستدامة حقيقية على مستوى قومي، يعزز من مكانة الدور والفعل العربي على الساحة العالمية.

سادسا: وضع رؤية واستراتيجية للتعامل مع العالم بلغة المصالح، فللدول الإقليمية والدولية مصالح في الوطن العربي، تفوق مصالحنا لديهم، مما سيؤدي حتما إلى تغيير إيجابي بشكل العلاقة القائمة حاليا، إلى العلاقة القائمة على الندية وبالتالي إلى تعزيز الأمن والاستقرار القطري والقومي على حد سواء، والقدرة على مواجهة التحديات والمخاطر الإقليمية والدولية.

قمة البحرين والقضية الفلسطينية :
في الوقت الذي يتعرض فيه الشعب الفلسطيني في عموم أراضي الدولة الفلسطينية المحتلة والمعترف بها دوليا وخاصة في قطاع غزة لحرب إبادة وتطهير عرقي، يشنها العدو الإسرائيلي دون خوف من المساءلة والعقاب، ضارباً عرض الحائط بجميع القرارات الدولية والمناشدات العربية والإسلامية المباشرة وغير المباشرة، في رسالة واضحة تعبر عن إستخفاف، وما تضمنته رؤيا مجرم الحرب نتنياهو وزمرته، إلا دليل راسخ على هذه الإستراتيجية العدوانية التوسعية والعنصرية الناجمة عن الإنحياز الأمريكي اللامحدود، ولغياب إجراءات عملية عربية عقابية وسياسات تؤدي لعزل ومقاطعة الكيان الإستعماري الإرهابي الإسرائيلي، ترافقها إجراءات دبلوماسية وإقتصادية ضاغطة على أمريكا، احتجاجا على مواقفها المنحازة والرافضة لوقف العدوان الهمجي الإسرائيلي، أو إتخاذ خطوات عملية نحو إلزام سلطات الإحتلال الإسرائيلي الإستعمارية لتنفيذ القرارات الصادرة عن مجلس الامن والجمعية العامة للامم المتحدة، الداعية لإنهاء الإحتلال الإسرائيلي، ولتمكين الشعب الفلسطيني من حق تقرير المصير، وإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس، وتمكين اللاجئين الفلسطينيين من العودة إلى مدنهم وقراهم التي طردوا منها عنوة عام 1948 .

الشعب العربي بغالبيته الساحقة ومن منطلق إيمانه الراسخ بحق الشعب الفلسطيني بالحرية والإستقلال والتحرر من نير المستعمر الإسرائيلي الإرهابي المدعوم أمريكيا وأوروبيا، وبحقه الأساس بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف، وإيمانه العميق أن المشروع الإستعماري الإسرائيلي العنصري الصهيوني، أداة القوى الإستعمارية العالمية، يمثل خطرا حقيقيا ليس على فلسطين فحسب، بل على أمن ووحدة وإستقرار الوطن العربي بأقطاره، وهذا ما عبرت وتعبر عنه تصريحا وتلميحا قيادات أمريكية وإسرائيلية، يتطلع أن تغادر قمة البحرين مربع الاكتفاء بإصدار بيان عام في تكرار لقرارات وبيانات سبقتها، إلى دائرة الفعل، أولها التقدم لإستصدار قرار بتجميد عضوية إسرائيل بالأمم المتحدة، وقطع كافة أشكال العلاقات مع الكيان الإستعماري الإسرائيلي، حيث أثبتت الأحداث أن لا ثقة بالكيان الإسرائيلي وبوعوده او باتفاقياتاته المبرمة، وانقلابه وتنصلاته من الالتزامات المترتبة عليه بموجب إتفاق اوسلو، وعلى المعاهدة الاردنية الإسرائيلية، وعلى إتفاقية كامب ديفيد، دليل على ذلك، وهذا ينسحب أيضا على التعهدات الأمريكية التي سرعان ما تتنصل منها تحت ذرائع ومبررات واهية.

قمة البحرين، بتوفيرها إرادة سياسية للقادة، قادرة على أن تشكل قاعدة إنطلاق نحو ولادة نظام عربي قوي مؤهل لمواجهة التحديات الإقليمية والدولية. فلسطين كانت وستبقى العنوان والبوصلة والتحدي، وحرية فلسطين وإستقلالها قوة للعرب أقطارا وشعبا، ومغادرة مربع الضعف والخلافات ضرورة للأمن والإستقرار والازدهار.

شاهد أيضاً