السياسي – قد يتعجب القارئ من هذا العنوان: “القمة العربية الإسلامية في الدوحة.. حضر الجميع وغاب القرار”، فكيف يُقال إن أحدا لم يحضر، بينما امتلأت القاعة بزعماء وقادة ومسؤولين من مختلف الدول العربية والإسلامية؟! الحقيقة أن الحضور الجسدي شيء، والحضور السياسي الفاعل شيء آخر. وإذا كان الأول متحققا بالأزياء الرسمية والابتسامات الدبلوماسية، فإن الثاني غائب بشكل فاضح؛ إذ لم تخرج القمة سوى ببيانات التنديد والشجب، وهي الوظيفة الوحيدة التي يتقنها حكامنا منذ عقود.
انعقدت القمة العربية الإسلامية الطارئة في العاصمة القطرية الدوحة عقب العدوان الإسرائيلي الأخير، الذي لم يتوقف عند غزة بل وصل إلى الدوحة نفسها باستهداف مقار سكنية يُقال إنها تعود لقيادات في حركة “حماس”؛ هذا التطور كان كافيا ليثير حالة من الغضب الشعبي، وليدفع القادة إلى الاجتماع في قمة عاجلة.
البيان الختامي تضمّن عبارات قوية: إدانة للإبادة الجماعية، وشجبا للتطهير العرقي، ومطالبة بوقف الحصار والتجويع، ودعوة لمراجعة العلاقات مع الاحتلال. لكن، وهنا لبّ القضية، لم يتجاوز البيان هذه اللغة إلى خطوات عملية؛ فلا عقوبات، ولا مقاطعة، ولا قرارات اقتصادية أو سياسية تُربك الاحتلال أو تفرض عليه التراجع.
حضور بالكلمات.. غياب بالأفعال
لم يكن مستغربا أن يكتفي القادة العرب والمسلمون بالتعبير عن الغضب عبر الكلمات، فهذا هو السيناريو المعتاد منذ نكبة فلسطين وحتى اليوم؛ كلمات رنانة، عبارات مدوّية، لكن على الأرض: لا شيء.
– التنديد أصبح وظيفة رسمية: كأن الحكام لا يُنتظر منهم سوى إصدار بيانات استنكار في كل قمة.
– الغياب عن الفعل: لم تُطرح أي خطة حقيقية لدعم غزة، لا ممرات إنسانية ملزمة، ولا إرسال مساعدات عاجلة بكميات كافية، ولا تحرك قانوني حقيقي في المحاكم الدولية.
– الخوف من الكلفة: بعض الدول لا تريد إغضاب القوى الكبرى، ولا خسارة مصالح اقتصادية أو تحالفات أمنية. النتيجة: بيانات بلا أثر.
الفرق بين القمم والشعوب
بينما كان القادة يجتمعون في قاعات مكيفة ويتبادلون الخطب، كان أهل غزة يعيشون تحت القصف، يواجهون الجوع والعطش وانقطاع الكهرباء. هناك صمود أسطوري لشعب محاصر يُقاوم بإرادته وبما تبقى من حياة، وهناك “قمم” تُعيد إنتاج الكلام ذاته منذ نصف قرن.
– الشعب يُضحّي: في غزة لا يملك الناس رفاهية الخطابات، بل يواجهون الموت يوميا.
– القادة يتردّدون: كل قمة تُظهر فجوة أعمق بين الشعوب الباحثة عن الحرية والكرامة، وبين حكام يرون في القرارات الحاسمة تهديدا لمصالحهم قبل أن تكون نصرة للحق.
لماذا لا يملكون القرار؟
الإجابة معروفة، لكنها تحتاج إلى مصارحة:
1. الارتهان للقوى الكبرى: القرار العربي مرهون بواشنطن أولا، ثم بحسابات أوروبا وحلفائها.
2. غياب الإرادة: حتى حين تتوافر الظروف، لا يتوافر الاستعداد للمواجهة.
3. الخوف من الشعوب: أي خطوة جريئة قد تُلهب الشارع العربي وتفتح أبوابا يريد الحكام إغلاقها.
القمة العربية الإسلامية في الدوحة كشفت مجددا أن القادة يجيدون الظهور، لكنهم لا يملكون القرار، حضروا بأجسادهم وغابوا بعقولهم وقراراتهم، حضروا بالكلمات وغابوا بالأفعال. وبينما يُباد شعب غزة في لحظة تاريخية فارقة، تظل القمم مجرد مسرحيات متكررة، تنتهي كما بدأت: بيانات تُطوى في الأدراج.
إن الشعوب هي التي تصنع التاريخ، لا القمم، فلتكن أنت جزءا من هذا التاريخ.
-سعد الغيطاني