كارول منصور: الفيلم يحمل صفة الانتصاري والنضالي

وأتوقع منعه فانتصار الفلسطيني ممنوع

السياسي -وكالات- القدس العربي

لم تتوقع المخرجة الفلسطينية اللبنانية كارول منصور أن تشغل عودة والدتها إلى ربوع الوطن الممنوع هذا الحيز من الاهتمام، بل والتقدير. في حياتها كانت عايدة تُطرب آذان أبنائها الثلاثة ومن بينهم كارول بأخبار وحكايات عن جمال فلسطين، ويافا والقدس ومرتع صباها في وطنها.

ففي يافا ولدت عايدة عبّود وكبرت وتلقت تعليمها في مدرسة للراهبات في القدس. كانت في العشرين من عمرها حين تركت يافا مع عائلتها في ربيع سنة 1948 «أكم يوم بلبنان ع بال ما تهدا الحال ومنرجع». ولكن صارت فلسطين وطناً تحلم به عايدة ولا تراه سوى بالصور، كما سواها من ملايين اللاجئين المشتتين في دول الجوار والعالم.
عودة عايدة إلى يافا جسداً بدون روح تحققت بمساعدة فريق شجاع ومقدام. تألّف الفريق من الكاتبة والمخرجة والممثلة المسرحية رائدة طه. فحيفا ويافا بالنسبة لها صارتا مدينتان تعرفهما عن ظهر قلب. ومن الفريق أيضاً تانيا حبجوكا الأمريكية والمصورة المحترفة المقيمة في رام الله. في يافا مشت رائدة طه واثقة الخطوة تبحث عن منزل آل عبود قريباً من «محل البوظة عالدوّار» ووجدته. وكان حظ الفريق «بيفلق الصخر». المستوطنون الذين يسكنون البيت كانوا خارجه. فنفّذت رائدة طه المهمة بالحفر تحت شجرة في حديقة المنزل، وأودعت فيها بعضاً من جسد عايدة، وغادرت بثبات وثقة، بعيداً عن أعين المحتلين. وعندها انتهت المهمة الأولى، لتبدأ مهمات أخرى أقل مجازفة.
فيلم «عايدة» يحصد الكثير من الاعجاب حول العالم. تحوّل من عائلي ـ شخصي، إلى فيلم يحقق انتصاراً على المحتل ولو رمزياً. انتصار تفرح له الروح، وتدمع له العين نظراً للطريقة التي نُقلت فيها الرفات إلى يافا.
هنا حوار مع مخرجة الفيلم كارول منصور:
○ أية صفة من الأفلام يمكن أن نطلقها على فيلم «عايدة»؟
• يمكن أن نسميه تقاطعيا «أي أنه يتناول موضوعات متعددة» مؤثر، انتصاري، فيلم محوره وقضيته جماعية.
○ كنت بصدد فيلم عائلي. ما الذي حتّم تبديل رأيك؟
• تبدّل موقفي مما سجلته مع والدتي في مكان إقامتها في مونتريال منذ بدأت أتلقّى صوراً من صديقتي تانيا بعد وصولها إلى فلسطين، قبلها لم يكن لدي أي قرار بعرض ما صورته للجمهور.
○ من هي تانيا؟
• تانيا حبجوكا مصورة محترفة، صدر لها كتاب بعنوان The Pleasurs of Gaza. تانيا شركسية أمريكية تعيش في رام الله. وكانت رائدة طه الشخص المناسب جداً للقيام بمهمة البحث عن المنزل داخل يافا، ودفن الرفات.
○ هل تحدّثت عايدة في حياتها عن رغبتها بعودة جسدها إلى يافا؟
• تحدّثت كثيراً عن رغبتها بالعودة إلى يافا. العودة كانت حلماً لا يفارقها، لكنها لم تطلب دفنها في يافا.
○ كيف كنت تقرأين حنينها هذا؟
• ربما تشكل حكاية طفولتي مثالاً ولو صغيراً للغاية يشبه إلى حدٍ ما مشاعر اقتلاع عايدة وكافة الفلسطينيين من وطنهم. منزلنا في رأس بيروت كان مطلاً على البحر بكامله، كان يمتد أمامنا ملعب للتنس بطوابق محدودة. حين بيع العقار وبدأ هدمه شعرت بالأسى، وكأنهم استولوا على منزلي، وذكريات طفولتي. عندها شعرت بمدى الوجع الذي عاشه ويعيشه الفلسطينيون حيال إبعادهم واحتلال منازلهم ووطنهم، وأقصد بالتحديد من عاشوا النكبة وما خلّفته من أثر نفسي بليغ.
○ هل كانت عايدة من المهتمين بالحدث السياسي المتعلّق بفلسطين؟
• لم تكن من المتحدّثات بالسياسة، ولم تكن من النسوة المناضلات، تميزت بثقافتها العالية، فقد كانت قارئة نهمة.
○ ذاكرة عايدة كانت نقية جداً فيما يتعلّق بحياتها المحدودة في فلسطين. هل حدّثتك عنها بهذا الحماس قبل أن تلازم السرير؟
• لم تكن حياتها في فلسطين محدودة، فقد غادرتها في عمر 20 سنة، حملت معها في هجرتها ذكريات الطفولة والمراهقة والشباب، فلسطين والقدس ويافا سيرة لم تكن لتفارقها. كانت تسرد لنا حكايات عمرها على الشاطئ، وفي البيارات قريباً من القدس. وحكت لنا عن النشاطات الفنية والثقافية في يافا. ندمي كبير لأني لم أصور حكاياتها قبل أن تلازم السرير.
○ ودعت والدتك عن بعد ودمعت عيناك مراراً. ما المؤثر أكثر بالنسبة لك الوطن الممنوع أم رحيل عايدة؟
• الاثنان معاً. تأثرت لأن عايدة باتت في الوطن، وفي مكان قريب جداً مني حيث أنا في لبنان، وليس باستطاعتي زيارته.
○ كيف وقع الاختيار على تانيا ورائدة طه لمرافقة عايدة إلى يافا؟
• أعرف تانيا حبجوكا منذ حوالي العشر سنوات. فهي تزور لبنان مرات عدّة في السنة لعمل يربطها بمؤسسة آفاق. وتعرّفت إلى رائدة طه منذ ظهرت على المسرح لأول مرّة، وكنت أعرف سلفاً أنها المؤهلة لهذه المهمة، وتانيا مقدامة جداً وكانت مؤهلة لنقل الرفات إلى فلسطين، إنما تانيا ورائدة لم تكونا على معرفة إحداهما بالأخرى.
○ وهل دخلت تانيا فلسطين المحتلة بجواز سفرها الأمريكي؟
• تانيا متزوّجة من رجل فلسطيني وتحمل الجنسية الأمريكية وتقيم في رام الله، ورائدة فلسطينية مقيمة في حيفا.
○ هل تعرّض هذا الفريق لمصاعب؟
• أبداً. أظن أنه بعد عرض الفيلم في عشرات الدول قد يحدث رد فعل ليس لي تخمينه من الآن.
○ ما هو الوقت الذي أمضتاه في يافا؟
• زمن لا يُذكر، هو نهار فقط. مرّت تانيا لترافق رائدة صباحاً حيث كانت في حيفا، وبدأ المشوار، وكنت بالانتظار منذ العاشرة صباحاً في بيروت.
○ وهل سيُعرض الفيلم في فلسطين؟
• نعم. عُرض في يافا في 26/4 من هذا الشهر. تمّ عرضه في مسرح يوزع أوقات العروض مناصفة بين الفلسطينيين الذين يحملون الهوية الإسرائيلية وبين السكّان اليهود، الذين تحمّسوا لعرض هذا الفيلم في يافا شجعان للغاية.
○ أثار الفيلم عصفاً من المشاعر فتراب الوطن غالي. هل فرحت بتعبير الناس والنقّاد؟
• «فْرِحِت؟؟؟ طايرا من الفرح». ردّة فعل الناس في العروض التي أشارك فيها أو تلك التي أغيب عنها وأتلقى رسائل بشأنها، تُشعرني بكم هائل من الانتصار. كافة ردود الفعل كانت إيجابية، رغم أن من يعمل في الفن يرغب بملاحظات أو نقد يُلفت لأمور ما غابت عنه خلال عمله.
○ أين عُرض الفيلم خارج لبنان؟
• عروض «عايدة» خارج لبنان بدأت بالمشاركة في أحد مهرجانات دبي. ومن ثم عُرض في 46 صالة حول العالم. ففي 18 آذار/مارس من هذا العام كان عيد ميلاد عايدة. نجحنا في التشبيك مع 46 صالة بدءاً من أمريكا الشمالية إلى أمريكا الجنوبية، واليونان والبرتغال، والهند والبرازيل إلى مونريال وغيرها.
○ أين عُرض في مونتريال؟
• في إحدى الجامعات، والبحث جار لعرضه في مكان مفتوح لاستقبال الطلاب وغيرهم.
○ وهل تتوقعين مواجهة سلبية للفيلم في أوروبا أو غيرها بعد السلوك العدائي بحق الفلسطينيين؟
• أتوقع كل شيء. ولن استغرب أي مواجهة للفيلم في أي مكان من العالم. فهو انتصاري، وكثيرون يعملون لإحباط انتصارات الفلسطينيين.
○ وما هو فيلمك التالي؟
• الفيلم التالي سيرة ذاتية ونضالية عن الدكتور غسّان أبو ستة. أنهينا مرحلة التصوير. وخلال أشهر قد يكون الفيلم جاهزاً للعرض. بدأت التصوير منذ لحظة وصوله إلى عمّان بعد إقامة في غزّة لحدود الـ50 يوماً الأولى من العدوان. كما زرت الكويت التي شكّلت جزءاً وافياً من حياته، وزرته مع عائلته في لندن، حيث سجّلت حوارات مع أبنائه وزوجته.

شاهد أيضاً