كشف المستور… وشهد شاهدٌ من أهلها: طوفان الأقصى مؤامرة مدروسة لا تحرير مرتجل

سامي إبراهيم فودة

في السياسة لا تأتي الفضائح على ألسنة الخصوم، بل كثيرًا ما ينطق بها شركاء الأمس ممن اختلفوا اليوم على الكعكة. وحين “يشهد شاهدٌ من أهلها”، يصبح الصمت جريمة، والكلمة وثيقة، والتسريبات شهادة دامغة لا تحتمل التأويل.
من على منبر الكنيست الإسرائيلي، خرج أفيغدور ليبرمان، الوزير السابق ورئيس حزب “إسرائيل بيتنا”، ليدلي باعترافٍ صاعقٍ وموثق: عملية “طوفان الأقصى” لم تكن مفاجأة للأجهزة الإسرائيلية، بل كانت معروفة بالتفاصيل قبل وقوعها! هذا الاعتراف، وإن جاء بصيغة هجومية على نتنياهو، إلا أنه كشف الستار عن مؤامرة سياسية-أمنية أكبر مما تصوره البعض، مؤامرة دفع ثمنها الشعب الفلسطيني في غزة دمًا ودمارًا وتجويعًا، ودفعت ثمنها إسرائيل لاحقًا بانهيار صورتها الأمنية والعسكرية.
تفاصيل الاعتراف: ليست مفاجأة… بل تواطؤ!
بحسب ما قاله ليبرمان في جلسة صاخبة بالكنيست:
> “لقد مثلت في إبريل الماضي أمام لجنة تدقيق الدولة، وأبلغتهم أن إسرائيل كانت على علم بخطة حماس لاجتياح المستوطنات بآلاف المسلحين… ومع ذلك، لم يتم اتخاذ أي خطوة لمنعها.”
لم يكتفِ ليبرمان بذلك، بل اتهم نتنياهو بشكل مباشر قائلاً:
> “أنت شخصيًا من بادر بتحويل الأموال القطرية إلى حماس، وأنت من أرسل رئيس الموساد الأسبق يوسي كوهين إلى قطر عام 2020 للتوسل لزيادة الدعم المالي لها…”
وأضاف أن رئيس الشاباك السابق أُقيل، وأن المستشار الأمني رؤوفين بن شبات كان ينقل رسائل مباشرة من يحيى السنوار إلى نتنياهو، في عملية تواصل غريبة ومثيرة للريبة بين قيادة “حماس” و”إسرائيل”.
استنتاجات خطيرة لا يمكن إنكارها:
1. العملية لم تكن مفاجئة: حسب قول ليبرمان، فإن المعلومات حول خطط حماس كانت بحوزة الدولة العبرية منذ سنوات، ومع ذلك لم يُتخذ أي إجراء.
2. التواطؤ المالي: دعم حماس ماليًا لم يكن خطأ إداريًا أو تسرعًا تكتيكيًا، بل سياسة ممنهجة قادها نتنياهو عبر أدوات واضحة، شملت الموساد ومستشارين أمنيين ووسطاء دوليين.
3. منع اغتيالات قادة المقاومة: قال ليبرمان إن نتنياهو هو من رفض مرارًا وتكرارًا تصفية قادة حماس رغم طلبات الأجهزة الأمنية، ما يثير تساؤلات حول “المصلحة الحقيقية” من إبقائهم أحياء.
4. رفض التحقيق الرسمي: رفض نتنياهو تشكيل لجنة تحقيق رسمية، حسب قول ليبرمان، لأنه يعلم أن كل جلسة مسجلة، وكل اجتماع موثق، ومن يقرأ أو يسمع تلك البروتوكولات لن يصدق الرواية الرسمية مرة أخرى.
النتيجة: غزة وقودًا لمعارك الحكم
إن ما جاء على لسان ليبرمان يكشف عن صورة مرعبة لإدارة الصراع: حيث تصبح غزة ساحة تصفية حسابات سياسية داخلية في إسرائيل، وتُستخدم معاناة الشعب الفلسطيني كورقة ضغط انتخابية أو تكتيك لخلط الأوراق الأمنية.

“طوفان الأقصى” قد يكون ردًا على جريمة، لكنه أيضًا استُخدم لتبرير مجازر جماعية، وإعادة صياغة شكل السيطرة الأمنية على غزة، تحت غطاء الحرب والمقاومة.

ختام سطور مقالي: لا تسقطوا الشهادة بالتقادم

مهما حاول نتنياهو وحلفاؤه طمس الحقائق أو توزيع المسؤوليات، فإن اعتراف ليبرمان يجب أن يكون نقطة ارتكاز في روايتنا الفلسطينية، وتوثيقًا رسميًا لما نردده منذ عقود: أن الاحتلال لا ينام، ولكنه أحيانًا يغض الطرف عمدًا عن الخطر، حين يرى في الكارثة فرصة لتكريس الاستعمار وتقسيم الصف.

هذه شهادة من الداخل، لا يمكن إسكاتها، ولا يجب أن تُنسى، فالتاريخ لا يرحم… والشعوب لا تغفر.