كورنيش بيروت رصد هموم الهاربين من جحيم الحرب

السياسي -وكالات

مع دخول الحرب الإسرائيلية على لبنان يومها الخامس، يتكرّر المشهد على الكورنيش البحري لبيروت صباح كل يوم.. لبنانيون يمارسون المشي أو السباحة، علها تكون متنفساً لهم في هذه الأوضاع الضاغطة، وآخرون ينامون في سياراتهم، أو يتلحفون بغطاء على مقاعد الكورنيش، بعدما أجبرهم القصف على ترك منازلهم المدمّرة.

لم تزعزع الظروف الأمنية المتوترة الروتين اليومي لمجموعة لبنانيين يواظبون على ممارسة رياضتهم الصباحية الساعة السادسة إلا ربعاً، تكريساً لمعنى اسم مجموعتهم التي يطلق عليها باللهجة المحلية “ستة إلا ربع”، والتي لا تتبع لأي جهة سياسية أو طائفية.

“الرياضة متنفس لنا ولن نسمح لأي ظروف أن تخرق روتيننا اليومي”، هكذا كان لسان جميع اللبنانيين في هذه الفرقة، التي التقى بهم 24، ضمن جولة على الكورنيش البحري للعاصمة بيروت.

هروب من الموت

على بعد أمتار قليلة من هذه الفرقة، التي كانت منشغلة بممارسة تمارين الإحماء، كان نازحان من الجنوب اللبناني ينامان على مقاعد حجرية، بينما كانت حقائبهما المليئة بالملابس والمأكولات بقربهما بانتظار “الفرج”.

أما عائلة نازحة أخرى فقد استيقظت باكراً، وجلس أفرادها على مقاعد بلاستيكية متنقلة بانتظار اتصال من سمسار ليؤمن لهم شقة فندقية يقيمون فيها في بيروت.

وبعد تردّد للحديث معنا، روت أم حسن رحلة عذابها خلال الهروب من الصواريخ، التي كانت تنهمر على بعد أمتار من منزلها في النبطية جنوب لبنان.

لا مكان يتسع للنساء والرجال معاً

أحد النازحين من البقاع، رفض كشف اسمه، كشف أنه ينام في السيارة منذ عدة أيام، لأنه لا مكان يؤوي إليه بعدما نقل أسرته عند أحد أقاربه في بيروت، لكن المنزل صغير جداً، فقرر إبقاء النساء في المنزل، والانتقال مع ولده البكر إلى النوم في السيارة.

امتلاء مراكز الإيواء

صادفنا نازحاً آخر كان يستيقظ بعدما أمضى ليلته نائماً على مقعد خشبي عند الكورنيش، فأبلغنا بأنه لجأ إلى عدد من مراكز الإيواء، لكنها امتلأت بالكامل، ولم يعد هناك مكان للجوء إليه، ففضل النوم في العراء، على أن يشعر بالعوز، لكنه لا يزال بانتظار فتح المزيد من مراكز الإيواء ليجد مكاناً له.

جشع السماسرة

بدورها، تحدثت أم نازحة من قرية “وادي الحجير” القريبة من الحدود مع إسرائيل، عن أنها “أرملة ميسورة الحال”، لكن جشع السماسرة والأسعار المبالغ بها التي طلبوها لإيجار شقة صغيرة، جعلها تفضل وأسرتها التواجد ما بين الرصيف والسيارة، إلى أن تتدبر أمرها مع مَنْ يوفر لها شقة تستأجرها، أو أقله مكاناً في فندق يسترها مع أبنائها.

وخلال الجولة، تظهر المفارقات بشكل كبير على هذا الكورنيش، الذي يحتضن الهاربين من الموت والمقبلين على الحياة في آنٍ معاً، ففي الوقت الذي كانت تجلس عائلة نازحة على الأرض، كان بجانبهم مجموعة رجال منهمكين بتحليل الوضع السياسي، ويتناقشون بالاحتمالات المقبلة في حال امتدت الحرب إلى مختلف المناطق اللبنانية، بينما يستمتعون بالهواء العليل ومنظر البحر الجميل.

هذا المشهد دفعنا إلى مشاركتهم الحديث قليلاً، حيث تبيّن أنهم مجموعة أقرباء، واختاروا لقاء بعضهم على الكورنيش، باعتباره الملاذ المريح والرخيص للاجتماع، بعدما اكتظت بيوتهم بأقربائهم النازحين من الجنوب.

على الجانب الآخر، نزل مجموعة أصدقاء إلى البحر ليمارسوا السباحة، مستمتعين بالمياه المعتدلة قبل قدوم الشتاء.

ورداً على سؤال لأحدهم حول تخوّفهم من الوضع، قال أحمد عيسى (67 عاماً) إنه يعيش اللحظة إيماناً بآية “قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا”، مؤكداً أنه اعتاد على التعايش مع الحروب في لبنان منذ الحرب الأهلية، مروراً بحرب يوليو (تموز) عام 2006 ولغاية اليوم.

شاهد أيضاً