كيف اكتشفت أمريكا منشأة فوردو النووية السرية؟

‏من هو الرجل الذي خان إيران من الداخل، ونقل الأسرار الأخطر إلى بريطانيا والغرب؟.
‏منشأة نووية إيرانية محفورة داخل جبل قرب مدينة قُم، لا يمكن تدميرها بسهولة، ولا يمكن اكتشافها بسهولة…
‏لكن الغرب اكتشفها!
‏فكيف حدث ذلك؟ ومن سرّب الموقع المحظور الذي لم يكن يعرفه سوى الكبار في النظام الإيراني؟
‏لبّ القصة يبدأ مع رجل واحد: علي رضا أكبري
‏سياسي إصلاحي وضابط سابق في الحرس الثوري.
‏تدرّج في المناصب، وكان مقرّبًا من وزير الدفاع الأسبق علي شمخاني،
‏حتى أصبح نائبًا لوزير الدفاع بين عامَي 1998 و2003…
‏لكنه لم يكن رجلًا عاديًا.
‏في أواخر التسعينيات، كانت إيران تتقدم بسرية في برنامجها النووي، بالتوازي مع سياسة “الإنكار الرسمي”.
‏وبينما كان الغرب يشتبه في شيء يجري تحت الأرض،
‏كان أكبري يعرف كل شيء…
‏منشآت نطنز وأراك، والبرنامج العسكري، والموقع الأخطر: فوردو.
‏فوردو لم يكن مجرد مفاعل…
‏كان ملجأً نوويًا عسكريًا محصنًا في عمق الجبل،
‏قادر على الاستمرار حتى بعد ضربات نووية أو غارات جوية!
‏ولأنه محصّن، جعلته إيران مركزًا لتخصيب اليورانيوم بدرجات حساسة.
‏لكنّ اكتشافه كان كارثة استراتيجية لطهران.
‏في 2004، خرج أول تسريب عن فوردو عبر قنوات الاستخبارات الغربية.
‏لكن التأكيد الميداني لم يأت إلا لاحقًا…
‏وبين 2005 و2007 بدأت صور الأقمار الصناعية تراقب النشاط الغريب قرب قُم.
‏وفي 2009، فجّرت أمريكا القنبلة في مجلس الأمن:
‏”إيران تبني منشأة نووية سرية في فوردو!”
‏كيف عرفت أمريكا؟
‏الجواب جاء لاحقًا…
‏مصادر بريطانية قالت إن MI6 كانت قد اخترقت دوائر صنع القرار الدفاعي الإيراني.
‏وفي قلب هذه الدوائر: كان “عميلهم” النائم…
‏أكبري.
‏لكن من هو هذا الرجل أصلًا؟
‏ولد أكبري عام 1961، وشارك في الحرب العراقية الإيرانية،
‏تدرّج في صفوف الحرس الثوري،
‏ثم انتقل إلى وزارة الدفاع،
‏وأصبح واجهة إصلاحية تدعو للحوار مع الغرب…
‏لكنه كان يُحضِّر لشيء آخر.
‏وفقًا للمخابرات الإيرانية، جُنِّد أكبري في بداية الألفينات من طرف الاستخبارات البريطانية خلال زيارة خارجية،
‏ثم بدأ تدريجيًا يزوّدهم بمعلومات حساسة مقابل مبالغ مالية، وجنسية بريطانية لاحقًا.
‏وكان أكثر ما قدّمه خطورة هو: معلومات تفصيلية عن فوردو.
‏لم يُسلّم الإحداثيات فقط…
‏بل سلّم خرائط العمق الهندسي، وخطط التخصيب، وبيانات العلماء العاملين هناك!
‏كل هذا قبل أن تُعلن إيران عن المنشأة بسنوات،
‏وقبل أن تعرف الوكالة الدولية للطاقة الذرية عنها أي شيء!
‏وبينما كان الغرب يُعد العقوبات والضغوط،
‏كانت إسرائيل تُعد لخطط القصف،
‏وأمريكا تضع فوردو ضمن قائمة “الأهداف التي لا تُمسّ إلا عند الضرورة القصوى”.
‏ومع الزمن، خرج أكبري من المشهد السياسي.
‏هاجر إلى الخارج، حصل على الجنسية البريطانية،
‏وصار يعيش بين لندن ومدن أوروبية أخرى…
‏لكن عيني طهران لم تكن نائمة.
‏في 2019، أقنعه الإيرانيون بالعودة بحجة “مساعدة استراتيجية” في مفاوضات محتملة مع أوروبا.
‏وبالفعل عاد…
‏لكن ما إن حطّت قدماه حتى اختفى.
‏ما لم تقله إيران علنًا، قاله مسؤولون سابقون:
‏أكبري لم يكن مجرد جاسوس، بل “صندوقًا أسود” للبرنامج العسكري الإيراني.
‏ومعلوماته وصلت إلى يد الأميركيين والإسرائيليين والبريطانيين على حد سواء.
‏بهذا، تحوّل فوردو من مشروع سري محصّن… إلى مركز معروف، تُفرض عليه القيود والمراقبة،
‏وتحوّل الرجل الذي عرف كل شيء… إلى طيف يطارد ذاكرة الأمن الإيراني إلى الأبد.
‏وهكذا…
‏قُصّة منشأة فوردو ليست مجرد كشف نووي.
‏إنها قصة خيانة على أعلى مستوى،
‏صراع استخبارات،
‏وغرف مظلمة تقرر مصير دول!
‏ويبقى السؤال المفتوح:
‏كم من “أكبري” آخر ما زال نائمًا في دهاليز العواصم؟
‏وكم منشأة نووية أخرى ما تزال في الظل… بانتظار من يكشفها؟

اعدام علي رضا اكبري

تم تنفيذ حكم الإعدام الصادر بحق علي رضا أكبري المعاون السابق لوزير الدفاع، على خلفية إدانته بالتجسس لصالح بريطانيا التي يحمل جنسيتها، في يناير 2023

وأوردت وكالة “ميزان” التابعة للقضاء، أن إعدام أكبري شنقا نفّذ   بعد إدانته بـ”الافساد في الأرض والمسّ بالأمن الداخلي والخارجي للبلاد عبر نقل معلومات استخبارية”.

 

حقائق عن قضية علي رضا أكبري

  • إيران اتهمت أكبري، بأنه جاسوس لوكالة المخابرات البريطانية (إم آي 6)، وبثت تسجيلا مصورا تم تحريره بشكل كبير لأكبري يناقش المزاعم التي تشبه مزاعم أخرى وصفها نشطاء بأنها اعترافات بالإكراه وقال المعارضون ان ادله النظام واهية
  • زعمت إيران أن أكبري لعب دورا في اغتيال محسن فخري زادة، أكبر عالم نووي بالبلاد في عام 2020.
  • أكبري شغل مناصب عدة في هيكيلية الدفاع والأمن في إيران، منها “معاون وزير الدفاع للعلاقات الخارجية” و”مستشار لقائد القوات البحرية” ورئاسة قسم في مركز بحوث وزارة الدفاع، إضافة إلى عمله “في الأمانة العامة للمجلس الأعلى للأمن القومي”، من دون تقديم تفاصيل إضافية بخصوص أدواره.
  • أكبري يبلغ من العمر 61 عاما (مواليد 21 أكتوبر 1961)، وتم توقيفه في العام 1398 (وفق التقويم الهجري الشمسي المعتمد في إيران، أي بين مارس 2019 ومارس 2020).
  • صحيفة “إيران” الحكومية أجرت في فبراير 2019، مقابلة مع أكبري، وقدّمته على أنه “نائب سابق لوزير الدفاع في حكومة محمد خاتمي”، الإصلاحي الذي تولى رئاسة الجمهورية الإيرانية بين العامين 1997 و2005.
  • لم يظهر أكبري، الذي كان يدير مؤسسة فكرية خاصة، علنًا منذ عام 2019، عندما تم اعتقاله على ما يبدو. كما أنه كان مقربًا من علي شمخاني، مسؤول أمني كبير في إيران، مما دفع المحللين للإشارة إلى أن حكم الإعدام الصادر بحقه كان مرتبطًا بصراع محتمل على السلطة داخل جهاز الأمن في البلاد وسط الاحتجاجات.
  • قاد أكبري   في السابق تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار عام 1988 بين إيران والعراق في أعقاب حربهما المدمرة، التي استمرت 8 سنوات، وعمل عن كثب مع مراقبي الأمم المتحدة.
  • سبق للسلطات أن أعلنت توقيف الكثير من الأشخاص على خلفية قيامهم بالتجسس على إيران لحساب أجهزة استخبارات معادية، مثل الأميركية والاسرائيلية والبريطانية.