الحرب بين حزب الله وإسرائيل لا يمكن أن تطول كحرب غزة أو كحرب روسيا وأوكرانيا وغيرهما من الحروب، لأن إطالة أمد الحرب تعني دمار لبنان بالكامل مع هذا الكم الهائل من الغارات الجوية الإسرائيلية ليل نهار، إضافة إلى ارتفاع أعداد الضحايا بشكل مطرد. فعندها، ستصبح هذه الحرب وصمة عار في جبين الإنسانية. وكذلك، لا يمكن أن تطول لأن أهداف الأطراف المتصارعة محدودة وليست استراتيجية.
لذا، يجب أن يكون الحل حاضرًا، وأفضل الحلول تطبيق القرارات الدولية. لكن المشكلة أن حزب الله يعتبر تطبيق تلك القرارات هزيمة مطلقة له. لماذا؟ لأنها تعني انتشار القوات الأممية والجيش اللبناني على الحدود الإسرائيلية اللبنانية، أو بمعنى أدق، عزل حزب الله عن تلك الحدود. هذا العزل يقتل حزب الله، لأنه تنظيم عقائدي مسلح له أهداف إقليمية كبيرة. بمجرد عزله، لا معنى لوجوده المسلح ولا قيمة لترسانته الصاروخية، وهذا ما لا يرضاه الحزب. فهو لا يستطيع أن يكون حزبًا سياسيًا فقط داخل لبنان، بدون سلاح وبدون حروب عقائدية.
إذن، الحزب أمام خيارين أحلاهما مر: إما الاستمرار بالحرب وتحمل الخسائر الفادحة ودمار لبنان وتناقص قدرته الدفاعية والهجومية تدريجيًا، خاصة بعد أن أبدت إسرائيل تفوقًا كبيرًا على حزب الله بشكل أذهل العالم كله وفي جميع المجالات: الاستخباراتية، السيبرانية، الجوية، الإعلامية، والسرعة والمفاجأة. أو القبول بالقرارات الدولية “القاتلة” و”المذلة” في نفس الوقت.
من جهتها، تحاول إيران جاهدة أن تعطي لحزب الله مبررًا لقبول تطبيق القرارات الدولية من خلال ربط وقف إطلاق النار في غزة وبدء مفاوضات الملف النووي مع قبول حزب الله بتطبيق القرارات الدولية، لكي تعلن للعالم أن دخول حزب الله الحرب قد حقق أهدافه. لكن مع هذا “الانتصار المعنوي” إن تحقق لجبهة الممانعة التي تقودها إيران، فإن تنظيم حزب الله، في كل الأحوال، يكون قد انتهى دوره عسكريًا. ومن المحتمل جدًا أن يتم نزع سلاح حزب الله أو بيعه لبعض الدول الأخرى التي تشهد حروبًا قائمة.
أمَّا إسرائيل، فقد استطاعت أن تثبت قوتها ومقدرتها غير المحدودة. ولعلي أظن أنه لا أحد بعد اليوم سيفكر بمحاربة إسرائيل. فهي فعلاً انتصرت، وستكون قد حققت أهم أهدافها، وهو أمن إسرائيل.
المشكلة التي لم تكن إيران وحزب الله يدركانها وقد أدركاها الآن، فحواها أنَّ إسرائيل هي نفسها أميركا، وهي حلف الناتو، وهي العالم الغربي كله. بمعنى أن التفكير بإزالة إسرائيل أشبه ما يكون بالتفكير بإزالة أميركا وأوروبا من الوجود. هذه الحقيقة لم يكونا يدركانها، لكن الصدمة التي تعرض لها حزب الله جعلت جبهة الممانعة تدرك ذلك يقينًا. وعلى أساس هذا الإدراك المتأخر ستتغير المفاهيم الإقليمية والدولية عند القيادة الإيرانية، وكذلك عند بعض شعوب المنطقة.
لم يكن الرئيس الإيراني المنتخب مسعود بزشكيان غافلًا عن هذه الحقيقة، عندما أبدى قناعته بضرورة فتح قنوات التواصل مع الغرب كله، وخاصة مع أميركا في هذا الوقت بالذات. وأستطيع التخمين بأنه لا يمانع فتح القنوات الدبلوماسية حتى مع إسرائيل، بالعلن أو بالخفاء، لأنه عرف تمامًا أنه بدون موافقة إسرائيل لا جدوى من أيّ مفاوضات مستقبلية مع الغرب.
هذه ليست تحليلات مكتبية، بل وقائع أفرزتها أحداث غزة وحرب لبنان، وأكدتها تصريحات الرئيس الإيراني المرنة جدًا تجاه الغرب، وكذلك رؤيته لنتائج حرب لبنان. بالمقابل، يجب أن يفهم الجميع أن قادة دول الجوار لإسرائيل، بدءًا من الرئيس المصري الراحل أنور السادات، قد فهموا هذه الحقائق وعملوا على أساسها سياسيًا، لا عسكريًا، ووضعوا القضية الفلسطينية نصب أعينهم ولم يتخلوا عنها. وسيتم عاجلًا أم آجلًا التوصل إلى حل شامل للقضية الفلسطينية دون إراقة الدماء ودون حروب ودون تدخل الشعارات المضللة الفارغة.
فهل نتوقع أن تنضم إيران الإسلامية إلى السكة التي تسير عليها الدول العربية، وتتعامل بواقعية مع الأحداث الشرق أوسطية، أم أن لإيران رأيًا آخر؟
أقول كلامي هذا دراية مني بأن إيران تعلم يقينًا أنها لن تنجو من مخالب إسرائيل ما لم تتعامل بواقعية مع الصورة الجديدة التي ستؤول إليها نتائج حرب لبنان.
دعواتنا للشعب اللبناني وكل شعوب المنطقة بالانفراج والأمن والسلام.