كيف سيتصرف ترامب مع آسيا في ولايته الثانية؟

د.عبد الله المدني

في‭ ‬حملاته‭ ‬الانتخابية‭ ‬للفوز‭ ‬برئاسة‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬للمرة‭ ‬الثانية،‭ ‬لم‭ ‬يتحدث‭ ‬الرئيس‭ ‬الأمريكي‭ ‬المنتخب‭ ‬دونالد‭ ‬ترامب‭ ‬بالتفصيل‭ ‬عن‭ ‬السياسات‭ ‬الخارجية‭ ‬التي‭ ‬ستتبعها‭ ‬إدارته‭ ‬مع‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية‭ ‬الحليفة‭ ‬وغير‭ ‬الحليفة،‭ ‬فيما‭ ‬عدا‭ ‬مواقفه‭ ‬النارية‭ ‬المناوئة‭ ‬للصين‭ ‬والتي‭ ‬دشنها‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬رئاسته‭ ‬الأولى‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬عامي‭ ‬2017‭ ‬و2021‭ ‬واستمرت‭ ‬معه‭ ‬إلى‭ ‬اليوم‭.‬
لقد‭ ‬هدد‭ ‬ترامب‭ ‬مرارًا‭ ‬وتكرارًا‭ ‬بإشعال‭ ‬حرب‭ ‬تجارية‭ ‬بين‭ ‬بلاده‭ ‬والصين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬فرص‭ ‬تعريفات‭ ‬جمركية‭ ‬تصل‭ ‬إلى‭ ‬60‭ ‬بالمائة‭ ‬على‭ ‬السلع‭ ‬المصنعة‭ ‬في‭ ‬الصين،‭ ‬كما‭ ‬أطلق‭ ‬وعودًا‭ ‬بتبني‭ ‬سياسات‭ ‬أكثر‭ ‬تشددا‭ ‬حيال‭ ‬المهاجرين‭ ‬القادمين‭ ‬إلى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة‭ ‬للعمل‭ ‬والاستقرار،‭ ‬وهذا‭ ‬لئن‭ ‬قصد‭ ‬بها‭ ‬تحديدًا‭ ‬المهاجرين‭ ‬غير‭ ‬الشرعيين‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬المكسيك‭ ‬ودول‭ ‬أمريكا‭ ‬اللاتينية،‭ ‬إلا‭ ‬أنها‭ ‬تشمل‭ ‬أيضا‭ ‬أولئك‭ ‬القادمين‭ ‬من‭ ‬آسيا‭. ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬يمكن‭ ‬القول‭ ‬إن‭ ‬عودة‭ ‬ترامب‭ ‬إلى‭ ‬البيت‭ ‬الأبيض‭ ‬في‭ ‬العشرين‭ ‬من‭ ‬يناير‭ ‬2025‭ ‬تحمل‭ ‬أخبارًا‭ ‬طيبة‭ ‬لبعض‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية‭ ‬وأخبارًا‭ ‬سيئة‭ ‬لبعضها‭ ‬الآخر‭.‬

ومما‭ ‬لاشك‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬بعض‭ ‬دول‭ ‬منظومة‭ ‬آسيان‭ ‬الجنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيوية‭ ‬مثلًا‭ ‬مبتهجة‭ ‬بهذه‭ ‬العودة‭ ‬الترامبية‭ ‬المظفرة‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬المرشحة‭ ‬الخاسرة‭ ‬كامالا‭ ‬هاريس‭ ‬وأركان‭ ‬حزبها‭ ‬الديمقراطي‭ ‬الذي‭ ‬لطالما‭ ‬عرف‭ ‬عنه‭ ‬تمسكه‭ ‬بشعارات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬وحرية‭ ‬الرأي‭ ‬والتعبير‭ ‬ومناهضة‭ ‬الأنظمة‭ ‬العسكرية‭ ‬الديكتاتورية‭. ‬ذلك‭ ‬ان‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬السابقة‭ ‬وضعت‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬القضايا‭ ‬على‭ ‬الرف‭ ‬ولم‭ ‬تولها‭ ‬اهتمامًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬أو‭ ‬لم‭ ‬تضغط‭ ‬كثيرًا‭ ‬بشأنها،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يتوقع‭ ‬استمراراه‭. ‬ولهذا‭ ‬نجد‭ ‬أن‭ ‬حكومات‭ ‬كمبوديا‭ ‬ولاوس‭ ‬وميانمار‭ ‬المتهمة‭ ‬بخروقات‭ ‬حقوق‭ ‬الإنسان‭ ‬تشعر‭ ‬بالتفاؤل،‭ ‬ليس‭ ‬لهذا‭ ‬السبب‭ ‬وحده‭ ‬وإنما‭ ‬أيضا‭ ‬لسبب‭ ‬آخر‭ ‬هو‭ ‬وجود‭ ‬فرصة‭ ‬مواتية‭ ‬لها‭ ‬لتصبح‭ ‬أماكن‭ ‬بديلة‭ ‬للمستثمرين‭ ‬والمصنعين‭ ‬الأمريكيين‭ ‬الذين‭ ‬يتوقع‭ ‬أن‭ ‬يهربوا‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬وينتجوا‭ ‬سلعهم‭ ‬خارجها‭ ‬من‭ ‬باب‭ ‬تلافي‭ ‬الرسوم‭ ‬الجمركية‭ ‬العالية‭ ‬المتوقع‭ ‬فرضها‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬منتج‭ ‬يصنع‭ ‬في‭ ‬الصين‭. ‬وفي‭ ‬هذا‭ ‬السياق،‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نشير‭ ‬إلى‭ ‬فيتنام‭ ‬التي‭ ‬تحولت‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬اقتصاد‭ ‬صاعد‭ ‬بفضل‭ ‬اختيارها‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشركات‭ ‬الأمريكية‭ ‬مكانًا‭ ‬بديلاً‭ ‬للصين‭ ‬لجهة‭ ‬الاستثمار‭ ‬والتصنيع‭. ‬وبعبارة‭ ‬أخرى،‭ ‬استفادت‭ ‬فيتنام‭ ‬كثيرًا‭ ‬من‭ ‬هجرة‭ ‬الشركات‭ ‬الأمريكية‭ ‬إليها‭ ‬إبان‭ ‬فترة‭ ‬ولاية‭ ‬ترامب‭ ‬الأولى،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتكرر‭ ‬في‭ ‬فترة‭ ‬ولايته‭ ‬الثانية‭ ‬فتستفيد‭ ‬دول‭ ‬أخرى‭. ‬
أما‭ ‬الدول‭ ‬الآسيوية‭ ‬المتحالفة‭ ‬تاريخيا‭ ‬مع‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬فبعضها‭ ‬متخوفة‭ ‬من‭ ‬تبعات‭ ‬وتداعيات‭ ‬الحرب‭ ‬التجارية‭ ‬الأمريكية‭ ‬ــ‭ ‬الصينية‭ ‬على‭ ‬اقتصادها‭ ‬وتجارتها،‭ ‬وتخشى‭ ‬أن‭ ‬تتطور‭ ‬الأمور‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬معاقبتها‭ ‬على‭ ‬تعاملاتها‭ ‬الضخمة‭ ‬مع‭ ‬التنين‭ ‬الصيني،‭ ‬وهذه‭ ‬المجموعة‭ ‬تشمل‭ ‬اليابان‭ ‬وكوريا‭ ‬الجنوبية‭ ‬وتايلاند‭ ‬وإندونيسيا‭ ‬والفلبين‭. ‬لكنها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬تبدو‭ ‬سعيدة،‭ ‬اعتقادًا‭ ‬منها‭ ‬أن‭ ‬سياسات‭ ‬ومواقف‭ ‬ترامب‭ ‬القوية‭ ‬من‭ ‬سياسات‭ ‬بكين‭ ‬التوسعية‭ ‬ومساعيها‭ ‬للهيمنة‭ ‬على‭ ‬مياه‭ ‬وجزر‭ ‬في‭ ‬المحيطين‭ ‬الهادي‭ ‬والهندي‭ ‬كفيلة‭ ‬بوقف‭ ‬التنمر‭ ‬الصيني‭ ‬ضدها‭. ‬وفي‭ ‬هذه‭ ‬الجزئية‭ ‬الأخيرة‭ ‬تبرز‭ ‬كل‭ ‬من‭ ‬الفلبين‭ ‬وإندونيسيا‭ ‬كمثالين‭ ‬واضحين،‭ ‬كونهما‭ ‬من‭ ‬الدول‭ ‬التي‭ ‬تتنازع‭ ‬السيادة‭ ‬مع‭ ‬الصين‭ ‬حول‭ ‬بعض‭ ‬الجزر‭ ‬الصغيرة‭ ‬الواقعة‭ ‬بالقرب‭ ‬منهما‭ ‬داخل‭ ‬مياه‭ ‬بحر‭ ‬الصين‭ ‬الجنوبي‭. ‬فمانيلا،‭ ‬التي‭ ‬تتخبط‭ ‬حكومتها‭ ‬بقيادة‭ ‬الرئيس‭ ‬بونغ‭ ‬بونغ‭ ‬ماركوس‭ ‬في‭ ‬مواقفها‭ ‬من‭ ‬الصين،‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬مناهضة‭ ‬سياسات‭ ‬بكين‭ ‬التوسعية‭ ‬والخوف‭ ‬من‭ ‬جبروتها‭ ‬والحاجة‭ ‬لاستثماراتها،‭ ‬قد‭ ‬تجد‭ ‬فرصة‭ ‬في‭ ‬عودة‭ ‬ترامب،‭ ‬للظهور‭ ‬بمواقف‭ ‬أكثر‭ ‬صلابة‭. ‬أما‭ ‬جاكرتا،‭ ‬فحالها‭ ‬لا‭ ‬يختلف‭ ‬عن‭ ‬مانيلا‭ ‬كثيرا،‭ ‬فساستها‭ ‬لا‭ ‬يملكون‭ ‬اتخاذ‭ ‬موقف‭ ‬واضح‭ ‬من‭ ‬الصينيين‭ ‬خوفا‭ ‬من‭ ‬سطوتهم،‭ ‬ولا‭ ‬تزال‭ ‬حادثة‭ ‬وقوف‭ ‬الصين‭ ‬الماوية‭ ‬خلف‭ ‬انقلاب‭ ‬شيوعي‭ ‬فاشل‭ ‬في‭ ‬الستينات‭ ‬لمركسة‭ (‬من‭ ‬الماركسية‭) ‬نظامهم‭ ‬يؤرقهم،‭ ‬وفي‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭ ‬يسيل‭ ‬لعابهم‭ ‬للمساعدات‭ ‬والاستثمارات‭ ‬الضخمة‭ ‬التي‭ ‬تغريهم‭ ‬بها‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استراتيجية‭ ‬‮«‬الحزام‭ ‬والطريق‮»‬‭. ‬وهي‭ ‬استراتيجية‭ ‬كان‭ ‬لها‭ ‬تأثير‭ ‬كبير‭ ‬في‭ ‬دول‭ ‬جنوب‭ ‬شرق‭ ‬آسيا‭ ‬سواء‭ ‬بشكل‭ ‬قانوني‭ ‬او‭ ‬غير‭ ‬قانوني،‭ ‬وذلك‭ ‬لسببين‭: ‬موقع‭ ‬هذه‭ ‬الدول‭ ‬الجيوسياسي‭ ‬القريب‭ ‬من‭ ‬الصين‭ ‬من‭ ‬جهة،‭ ‬وانتماء‭ ‬نسبة‭ ‬كبيرة‭ ‬من‭ ‬سكانها‭ ‬إلى‭ ‬العرق‭ ‬الصيني‭ ‬والثقافة‭ ‬الصينية‭. ‬
وتمثل‭ ‬تايلاند‭ ‬حالة‭ ‬خاصة،‭ ‬بسبب‭ ‬تأرجح‭ ‬نظامها‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الديمقراطي‭ ‬والعسكري،‭ ‬وموقعها‭ ‬كحليف‭ ‬مخلص‭ ‬للولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬واعتمادها‭ ‬مشترياتها‭ ‬من‭ ‬الأسلحة‭ ‬بشكل‭ ‬كبير‭ ‬على‭ ‬المصانع‭ ‬الأمريكية،‭ ‬وشعورها‭ ‬بالغبن‭ ‬جراء‭ ‬منافسة‭ ‬الصين‭ ‬لصادراتها،‭ ‬واعتماد‭ ‬سياحتها‭ ‬على‭ ‬مئات‭ ‬الآلاف‭ ‬من‭ ‬الصينيين‭ ‬سنويًا،‭ ‬ولهذا‭ ‬خرجت‭ ‬معظم‭ ‬الصحف‭ ‬التايلاندية‭ ‬وهي‭ ‬تدعو‭ ‬حكومتها‭ ‬إلى‭ ‬اتباع‭ ‬سياسية‭ ‬حذرة‭ ‬لا‭ ‬تغضب‭ ‬إدارة‭ ‬ترامب‭ ‬الجمهورية‭ ‬منها‭ ‬لأي‭ ‬سبب،‭ ‬ولا‭ ‬تؤلب‭ ‬الصين‭ ‬ضدها‭ ‬في‭ ‬الوقت‭ ‬نفسه‭. ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬اختصرته‭ ‬صحيفة‭ ‬‮«‬بانكوك‭ ‬بوست‮»‬‭ ‬بقولها‭: ‬‮«‬نريد‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬محبوبين‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬الصين،‭ ‬ونريد‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬محبوبين‭ ‬من‭ ‬أمريكا‮»‬‭.‬
* نقلا عن ” الأيام”

شاهد أيضاً