لا مفر من انسحاب اسرائيل

عمر حلمي الغول

غزة المغطاة بالدم والبارود والدمار، والمعطرة برائحة الشهداء، والشامخة كأشجار النخيل والزيتون، الرفضة ذل وبشاعة التهجير القسري والموت، والمتجذرة في تربة الوطن، وتأبى ترحيل أبنائها، والناهضة من تحت الرماد كشعارها المتمثل بطائر الفينيق، رغم فاجعة الإبادة الجماعية، وتشظي الأجساد الغضة المتناثرة في الطرقات وتحت الردم ونهش الكلاب والحيوانات، والحرمان من لقمة خبز، أو شربة ماء، أو بقعة ضوء، المكتوية بحر الصيف وبرد الشتاء، والموجوعة بصرخات المجوعين والعطشى والمطوقة بجنازير الدبابات والعربات المصفحة وجنود اسبارطة الإسرائيلية المدججين بالأسلحة الفتاكة وتعليمات القيادات النازية الصهيو أميركية بقتل الاجنة والأطفال والنساء والابرياء العزل من الفلسطينيين العرب على الهوية، وفضاءها مكدس بكل صنوف طائرات التجسس والحربية على مدار الساعة لتلقي بحمم قنابلها وبارودها وصواريخها على خيام النازحين والمشردين بين الازقة وتحت المباني المدمرة وفي ساحات المستشفيات والمواصي، والمحاصر بحرها بالبوارج والغواصات والزوارق الحربية.
غزة المكوفلة بالنار والبارود وشبح الموت الجاثم على أنفاسها وانفاس أبنائها، والغارقة في سعار ولعنة القيامة وبهاء الميلاد النابت من بين ترابها المشبع بشلال الدم، المعمد بسر البقاء والرجولة والعطاء، رغم صنوف الإبادة الوحشية الإسرائيلية والحصار الخانق، ودعوات التهجير القسري من قبل نازيي العصر الصهاينة واسيادهم اليانكيين الاوغاد في واشنطن، الطامعين والحالمين ب “استسلامها”، و”رفع الراية البيضاء”، وتحقيق مآربهم في افراغها من سكانها في أوسع عملية تطهير عرقي للشعب الفلسطيني من أرض الإباء والاجداد، الوطن الأم فلسطين.
غزة التي تختزل كل مدن القطاع الابي: رفح وخانيونس ودير البلح والمغازي والبريج والنصيرات وجباليا والنزلة والشيخ رضوان والكرامة والشاطئ وبيت لاهيا وبيت حانون، في اسمها، وتحت مظلتها الشامخة، غزة المنصهرة في تاريخها المجيد، وحاملة راية الوطنية، ومشعلة شرارة ثورتها الفلسطينية المعاصرة، تأبى الاستسلام، وترفض نكبة التهجير والتطهير العرقي الصهيو أميركي، وتُصر على تحدي الموت والكارثة الأعظم وقوفا لتحيا الأجيال القادمة في فلسطين كل فلسطين من البحر الى النهر، وكنس المستعمرين الغزاة وحوش النازية المعاصرة.
ورغم وجعها وانينها وصراخ اطفالها ونسائها الأموات الاحياء من الإبادة الجماعية الإسرائيلية الأميركية، الا انها تلعن المتواطئين من أبناء جلدتها مع غلاة المستعمرين، الذين زجوا بها في وحول ومستنقعات الحروب المتعاقبة وتوجوها بالحرب الأكثر دموية وقتلا وابادة المستمرة لليوم 692، واغرقوها في انواء وامواج بحر الإبادة المتلاطم، الا ان ابناءها الميامين من الوطنيين الشرفاء اعلنوا بصوت عال رفضهم لحكم شيوخ الردة القابعين في انفاقهم وقادتهم المترفين في قصور وفنادق الدوحة واسطنبول، المساومين على دم الأبرياء لإدامة إمارتهم السوداء، وخدمة لسادتهم في تل ابيب وواشنطن وتنظيم الاخوان المسلمين الدولي.
غزة عنوان العزة والكرامة الوطنية، ورافعة المشروع الوطني التي بيعت في سوق النخاسة بأبخس الاثمان، وقدمت لقمة سائغة للانقلابين، لأن المستعمرين الإسرائيليين أرادوا ديمومة الانقلاب على الشرعية الوطنية لتبديد وتصفية القضية والمشروع الوطني والكيانية الفلسطينية، وإنهاء وجود منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب كل الشعب الفلسطيني، وتسيد إسرائيل اللقيطة والنازية على الوطن كل الوطن الفلسطيني من الشمال الى الجنوب ومن الشرق الى الغرب، هذه الغزة التي دمرها الغزاة في الحقب التاريخية المختلفة مرات عدة، وآخرها الإبادة الجماعية الصهيو أميركية المتواصلة منذ 23 شهرا، ستنهض من تحت الرماد مجددا، وستعود قلعة حصينة للوطنية، وعنوانا للحرية والاستقلال والعودة، وسترغم الغزاة الإسرائيليين على الانسحاب منها، ولا مفر الا بانسحاب الاعداء من ترابها العظيم، وعودتها شامخة لحاضنة الشرعية الوطنية مهما كانت التضحيات الجسام، حتى لو أكلت النساء من اثدائها، وأكل رجالها وأطفالها أوراق الشجر وبقايا فتات ما يصلها من مساعدات غذائية، وسيعيدون رسم خارطة فلسطين والشرق الأوسط وفي قلبه الوطن العربي كما يشاؤون لأمة العرب أن تكون.
وعلى نتنياهو وسيده ترمب ان يكفوا عن مواصلة الإبادة الجماعية، لأنهم سيفشلون كما فشلوا على مدار سنوات الحرب القذرة، وعلى مدار عقود الصراع الطويلة، ولن تقوم قائمة للريفيرا الترمبية، ولا للاستيطان الاستعماري الصهيوني في غزة، لأنها عصية على الموت، رغم ظلام اللحظة وسواد عتمة الانقلاب الهدام، فهل يدركون الحقيقة قبل سقوطهم جميعا؟