يشكّل الجمع بين لبنان وفلسطين في عنوان واحد أكثر من مجرّد اقتراب جغرافي. فالعلاقة بين الجبهتين لم تتشكّل صدفة، بل جاءت نتيجة مسار طويل من تحوّلات الإقليم، ومن ارتباط كفاحي رسّخته تطورات النصف قرن الأخير، ولا سيما في دول الطوق العربي المحيطة بالكيان الإسرائيلي. وبينما دفعت الحرب في سوريا باتجاه تعقيدات سياسية وأمنية، ظلّ الربط بين لبنان وفلسطين قائمًا بفعل الدور المتنامي لحركات المقاومة اللبنانية، وعلى رأسها حزب الله.
جذور مقاومة… وقيادة صنعت الفارق
منذ اجتياح جيش الاحتلال لأراضي لبنان في 1978 و1982 واحتلال بيروت وطرد المقاومة الفلسطينية، برزت في لبنان مقاومة جديدة بهوية عقائدية فلسطينية الروح. لعب الإمام موسى الصدر دورًا تأسيسيًا في تمهيد الطريق، تلاه الدور الأعمق للقائد الشهيد السيد حسن نصرالله، الذي أعاد تثبيت «العروة الوثقى» بين لبنان وفلسطين. ورغم الأخطاء التي شابت تورّط الحزب في الحرب السورية، فإنّه نجح في نقل المقاومة إلى مستوى نوعي جديد، وجعل من لبنان—الأضعف عسكريًا—قوة قادرة على تهديد الكيان الإسرائيلي وجوديًا.
هذا النموذج انتقل لاحقًا إلى فلسطين، وظهر صداه في القدس والضفة وغزة. ومع انطلاق عملية طوفان الأقصى من غزة، كان حزب الله هو السند العسكري الأبرز، ضمن التزام أخلاقي وسياسي معلن.
جبهتان في عين النار… وهدف واحد للعدوان
لم يتوقف العدوان الإسرائيلي على الجبهتين الفلسطينية واللبنانية، رغم الإعلان المتكرر عن وقف إطلاق النار. فالهدف الأمريكي–الإسرائيلي ثابت: نزع سلاح المقاومة. فما يراد لفلسطين مع «حماس» وفصائل المقاومة، يراد للبنان مع حزب الله.
وفي الوقت الذي تتصاعد فيه الغارات والمسيرات والقصف المدفعي، تتواصل عمليات الاغتيال بحق كوادر المقاومة، فيما تتشكل أجيال جديدة من المقاتلين تحمل إرث قادتها وتمنح المقاومة قدرة متجددة على الصمود.
خطة ترامب… إعادة إنتاج الانتداب الدولي
تطرح واشنطن اليوم ما يسمى بـ «خطة دونالد ترامب»، والتي حصلت على غطاء من مجلس الأمن، بهدف فرض وصاية دولية على غزة عبر «مجلس السلام» وقوة «الاستقرار الدولية» المكلفة بنزع سلاح حماس. ورغم أن الخطة تلزم إسرائيل بالخروج من غزة، إلا أن النصوص جاءت فضفاضة، ما يمنح الاحتلال مبررًا للبقاء في مناطق واسعة.
وتخشى عواصم عربية الانخراط في تلك القوة تجنبًا لصدام مباشر مع المقاومة، في وقت تعمل فيه إسرائيل على دعم مجموعات فلسطينية مسلحة تعمل لصالحها في رفح وخان يونس وشرق غزة، تحت شعارات ظاهرها «تحرير غزة»، وباطنها ضرب المقاومة.
لبنان… استهداف متزامن ومحاولة لإشعال الداخل
لا يختلف المشهد في الجنوب اللبناني كثيرًا. فإسرائيل تحتفظ باحتلال لسبع نقاط استراتيجية، وتعمل بدعم أمريكي على الدفع نحو صدام داخلي، تحت عنوان «نزع سلاح حزب الله». وتسعى واشنطن وتل أبيب إلى جرّ الجيش اللبناني إلى مواجهة مباشرة مع الحزب، رغم حساسية تركيبة الجيش المتعددة الطوائف.
ويرفض الرئيس اللبناني جوزيف عون التورّط في إشعال حرب أهلية جديدة، وهو ما دفع الولايات المتحدة إلى اتخاذ إجراءات عقابية، بينها إلغاء مواعيد رسمية مجدولة لقائد الجيش، في محاولة للضغط على المؤسسة العسكرية.
وفي الداخل اللبناني، تصعّد بعض القوى السياسية—خصوصًا أحزاب اليمين المسيحي وبعض التيارات السنية—من لهجتها ضد حزب الله والجيش، وصولًا إلى الهجوم على المسؤولين لمجرد وصفهم «إسرائيل» بالعدو.
واشنطن… مشرف على تفجير الجبهتين
يقوم المبعوث الأمريكي إلى سوريا ولبنان، توم براك، بدور المشرف الفعلي على تنفيذ خطط نزع السلاح، رغم تورطه في فضائح أخلاقية، آخرها ورود اسمه في قوائم جيفري إبستين. ويجاهر براك برغبة بلاده في تسليح الجيش اللبناني «ليحارب شعبه وحزب الله»، وليس لمواجهة إسرائيل، فيما يسعى لدفع النظام السوري للمشاركة في أي حرب محتملة ضد الحزب.
خاتمة
تبدو الصورة اليوم أكثر وضوحًا بعد سقوط الأقنعة:
هناك مشروع واحد يستهدف نزع سلاح المقاومة في فلسطين ولبنان، وإفراغ الجبهتين من أي قدرة على الردع.
لكن حرص الجيش اللبناني وحزب الله على منع الانزلاق إلى حرب أهلية يبقى صمام أمان يمنع تكرار مأساة السبعينيات والثمانينيات.
ويبقى الدعاء الأخير:
اللهم احفظ لبنان وفلسطين وأهلهما من نار العدوان ومن نار الفتنة معًا.







