لحظة.. نواف سلام

ميشال حجّي جورجيو

لبنان، هذا الوطن الذي خذلته قياداته مراراً، وخانته حساباتهم الرخيصة، يقف اليوم أمام لحظة استثنائية، قد تكون نقطة تحوّل. تعيين نواف سلام لتشكيل الحكومة الجديدة، ليس مجرد تعديل شكلي في نظام يحتضر؛ إنه تحدٍّ مباشر لحراس النظام القديم، وإعلان خافت، لكنه حازم ببدء مرحلة جديدة.

نواف سلام ليس رجلاً عادياً، في المشهد السياسي اللبناني. فهو قاضٍ في محكمة العدل الدولية، ودبلوماسي ذو خبرة، ورجل قانون يحمل رؤية متجذرة في القيم التي يحتاجها لبنان بشدة: سيادة دولة القانون، نزاهة الحكم، شفافية الإدارة، وحلم ارساء ثقافة سلام. لكنه أيضاً، رمز للصراع ضد ثقافة الاستسلام للفساد والتنازل عن المبادئ. إنه تجسيد لما يعنيه أن تكون، في موقع المسؤولية، دون أن تفقد شرف الموقف أو نزاهة اليد.

 

ومع ذلك، فإن هذه اللحظة محفوفة بالمخاطر. إن تعيين نواف سلام، رغم دلالاته الرمزية العميقة، يبقى خطوة أولى ضمن مسار طويل وشاق. النظام القديم لم يُهزم بعد، بل يراقب ويتربص، مستعداً لعرقلة أي محاولة جدية للإصلاح. هذه الخطوة تمثل ثورة بيضاء، لكنها ثورة هشة، مهددة من داخلها ومن خارجها.

ما يجري اليوم هو إحياء لروح 14 آذار 2005، تلك اللحظة التاريخية، التي شهدت انتفاضة سيادية ضد الوصاية السورية، ودمجها مع روح 17 تشرين الأول 2019، عندما خرج الشعب غاضباً ضد نظام مافيوي طائفي. هذان التياران، وقد امتزجا بجرح 4 آب 2020، لا يمثلان فقط مطالب سياسية، بل يعكسان صرخة وجودية: سيادة، عدالة، وشفافية.

 

نواف سلام، بما يمثله من فكر راقٍ وأخلاق سياسية نادرة، قد يكون وجهاً للمرحلة الانتقالية، لكنه لن يكون المنقذ الوحيد. التحدي الحقيقي يكمن في قدرة الشعب، على انتزاع الفرصة من فكي نظام، مصمم على إفشال كل بادرة أمل. أركان النظام القديم، أولئك الذين تاجروا بدماء اللبنانيين واستباحوا ثرواتهم، لن يتنازلوا بسهولة. لكن الأمل اليوم ينبع من حقيقة أن هناك نافذة، مهما كانت صغيرة، قد فُتحت باتجاه التغيير.

 

إن هذه اللحظة ليست انتصاراً كاملاً، بل فرصة لإعادة لبنان إلى الطريق الصحيح. المسؤولية الآن تقع على عاتق الشعب اللبناني، في حماية هذه الخطوة، في المطالبة المستمرة بالإصلاحات، وفي مواجهة كل من يحاول تقويضها. السيادة ليست شعاراً، بل معركة تُخاض كل يوم. العدالة ليست مطلباً ثانوياً، بل شرط أساسي لأي سلام دائم.

لبنان لم يحقق النصر بعد، لكنه تحدى اليأس. ونواف سلام، بهذا التعيين، لا يمثل نهاية الرحلة، بل بدايتها.

والبدايات، حتى لو كانت متواضعة، تحمل دائماً بذور الثورة.

نقلا عن موقع جنوبية

تابعنا عبر:

شاهد أيضاً