لا أريد الخوض في ما تم تسريبه حول مسودة إتفاق وقف إطلاق النار المقترحة بين لبنان وإسرائيل، حيث أن هناك بنود لن تقبل فيها المقاومة، ويبدو أن هذه المسودة هي للمراوغة والمماطلة حتى تنصيب الرئيس “ترامب” في أل “عشرين” من كانون ثاني/يناير لتقديم هدية إسرائيل له كما تحدثت “هآرتس”، ويتضح ذلك من حديث “نتنياهو” قبل عدة أيام في إجتماع الكابينت السياسي والأمني حيث قال: “أمامنا شهرين للمناورة”، مما يشير بأنه غير مستعد لتقديم أي إنجاز يسجل بإسم “إدارة بايدن”، وهذا هو السبب في عدم قدوم المبعوث الأمريكي إلى لبنان “هوكشتين”، فهو الأخبر بجماعته لأنه كان ولا يزال جزءا منهم أكثر من كونه أمريكي، فهو الذي خدم في سلاح المدفعية للجيش الإسرائيلي، وهو خبير في العقلية الصهيونية التي تقدم دائما مقترحات ونصوص ملغومة بحيث يؤدي ذلك إلى أسميه لعبة المسودات
أعلم أنه من حيث المبدأ ومن منطلق المفهوم السيادي لِ “لبنان” الدولة بكل مؤسساتها وأحزابها الحق في البحث عن وقف لإطلاق النار يحفظ سيادتها دون نقصان، لكن بالنسبة للمقاومة الإسلامية “حزب الله” فهناك كان منظور آخر، وهذا المنظور مرتبط بالكل الإقليمي وبالذات بما يحدث في “غزة” اساسا، فكل المعركة كانت ولا زالت بسبب “غزة”
العدوان الإسرائيلي على لبنان وبالذات على جنوبه وبقاعه وضاحيته البيروتية جاء بسبب تمسك “حزب الله” بكونه جبهة مساندة لِ جبهة “غزة” التي كادت أن تكون “كربلاء” العصر، لولا نصرة جبهات المقاومة وعلى رأسها المقاومة الإسلامية في لبنان، على الرغم من أن قصة “البيجرز واللا سلكي” تؤشر بأن مخطط توجيه ضربة للمقاومة في لبنان مخطط قبل السابع من تشرين/اكتوبر، بل واضح أن كل تجهيزات الكيان العسكرية والأمنية كانت لأجل القيام بحرب خاطفة في “لبنان”
ولأجل التمسك بالموقف المساند والداعم للشعب في “غزة” ومقاومته الباسلة، دفع حزب الله أغلى ما يملك شهيد الأمة سماحة سيدنا ومعلمنا وقدوتنا حسن نصر الله، ومعه السيد الشهيد هاشم صفي الدين وثلة من القادة الشهداء الأبرار، وكأن ما جرى لا يأتي من باب الصدمة والروعة التي تم إستيعابها، ولكنه محاولة فرض ترتيب جديد أو إصطفاف داخلي في قيادة “حزب الله” مختلف عن ذاك الإصطفاف الذي أخذ قرار ان الجبهة الشمالية هي جبهة إسناد للمقاومة في غزة، ولدرجة ان البعض الإسرائيلي قال: “قرار إغتيال الشهيد نصر الله جاء بسبب تمسكه بعدم الفصل بين جبهتي الشمال والجنوب”
ضمن المعيار أعلاه وحفاظا على وصايا شهيد الأمة سماحة السيد نصر الله، فيجب إفشال المخططات التي على أساسها تمت الإغتيالات عبر التأكيد على أن وقف إطلاق النار يبدأ في غزة أولا قبل لبتان او بالحد الأدنى وقف إطلاق نار متزامن في كل الجبهات يعقبه مفاوضات، شرط أن لا يكون هناك إستئناف للقتال في جبهة دون أخرى، أو إستمرار وقف إطلاق نار في جبهة دون أخرى
إن قيادة حزب الله، وعلى رأسها سماحة السيد “نعيم قاسم” الأمين العام لحزب الله ملزمة بالإستمرار على نهج شهيد الأمة سماحة السيد “حسن نصر الله” رضوان الله عليه، وهذا يجب ان يكون الحد الادنى الذي عليه تقبل المقاومة الدخول في مناقشة لعبة المسودات لوقف إطلاق النار
لكن، ما يحدث في الواقع يوحي بأن الكيان نجح في الفصل بين الجبهات، ويشير وفق ما حدث من إرسال مسودة إتفاق بأن هناك قبول للتعاطي مع الفصل بين الجبهات، وهذا يتعارض مع الإستراتيجية التي على أساسها ظهرت جبهات الإسناد في لبنان واليمن والعراق
صحيح أن لبنان تحول من ساحة الإسناد إلى الجبهة الرئيسية للحرب، وهذا كان متوقعا وقد تحدث حوله سماحة الأمين العام نصر الله شهيد الأمة، عندما قال: “مهما كانت الكلفة ومهما كانت الأثمان التي سندفعها لن نتخلى عن غزة وسنبقى جبهة إسناد”، لقد كان سماحته متيقن من القادم ويعلم ما يخبئه الكيان من حقد دفين ضد المقاومة الإسلامية في لبنان، لذلك أصر على الترابط بين الجبهات، وهذا جاء بعد موقعة أل “البيجرز” وليس قبلها، أي أن ذلك يؤكد حقيقة وجوهر الموقف المبني على رؤيا إستراتيجية ليس للإقليم فحسب وإنما للداخل اللبناني أيضا
بصراحة نقول، من حق المقاومة في لبنان أن تتخذ القرار الذي تراه في مصلحتها وبما يخدم بلدها وشعبها، ولكن في نفس الوقت علينا ان نلفت إلى أن الفصل في وقف إطلاق النار بين “غزة” و “لبنان” لن يكون في صالح “حزب الله” وبالذات في الداخل اللبناني، فبعد هذه الخسائر الكبيرة، وبعد إستشهاد الأغلى والأسمى والأعظم فينا، فإن الذهاب بهذه الطريقة سيؤدي إلى شحذ السكاكين الداخلية لتنحر الحزب على مذبح شعار جبهة الإسناد فوق ما حل من دمار في بيئة المقاومة في لبنان
الحرب في المنطقة هي أمريكية أطلسية بإمتياز، وهدفها أصبح ساطع كشمس تموز، إعادة قوة الردع للكيان على مستوى كل الجبهات وليس على المستوى الداخلي الفلسطيني، كون الردع في المنطقة سيؤدي لتسييد إسرائيل كقوة مركزية للإستعمار الغربي بشكل عام وذراع أمريكي ضارب بشكل خاص، مع الإشارة هنا إلى أن ذلك لن يردع الفلسطيني رغم الإبادة في غزة كون الفلسطيني يقاوم الإحتلال وينشد الحرية والإستقلال
الكيان يعاني كثيرا ويتألم يوميا ويعيش حالة عدم امن وإستقرار، فهو يخسر الكثير من ضباطه وجنوده قتلى وجرحى، لدرجة أنه كي يعيد ترتيب جيشه كالسابق بحاجة بالحد الأدنى إلى سبع سنوات، حيث يقدر جيش الكيان أنه في مطلع عام 2032 سوف يستطيع ملء الفراغات التي حدثت نتيجة الحرب، كما انه بحاجة لزيادة عدد المجندين لذلك تتفاعل قضية تجنيد “الحريديم” في داخله وبما يؤشر لصراع ستكون عواقبه ليست في صالح الدولة إن كان من حيث الإعفاء الذي يعمل عليه “نتنياهو”، او من هجرة “حريدية” إلى خارج إسرائيل إذا تم إلزامهم بالتجنيد، عدا عن سقوط حكومة “نتنياهو” والذهاب لانتخابات مبكرة، أيضا هناك معاناة إقتصادية كبيرة وعجز في الميزانية يقدر ب “28.4” مليارد دولار، إضافة الى الهجرة إن كانت للكفاءات أو شركات الهاي تك او الأفراد، ولا ننسى الازمات النفسية وعدم الشعور بالأمن والطمأنينة والإستقرار…الخ
مجمل ذلك يشير إلى أن الكيان يتألم كما تتألم لبنان وغزة، صحيح أن الآلام لا تقارن بسبب حجم الدمار والإبادة، لكن الألم في الكيان يعكس حالة عدم إستقرار بما يؤسس لفشل كبير للمشروع الصهيوني، ويدعم الفرضية الإستراتيجية حول “عقدة الثمانين”
خلاصة الامر تتعلق بمسألتين، الاول: هو الفصل بين الجبهات، بحيث يؤدي ذلك لضرب مفهوم المحور الواحد المتضامن والمساند لبعضه البعض وإن تم ذلك فإن عملية التشكيك بجدوى بقاء محور النقاومة ستصبح في حالة التشكك والتشكيك، والثانية: تتعلق بطبيعة موازين القوى التي يجب بالحد الأدنى الحفاظ عليها إن لم يكن هناك مجال لتغييرها لصالح قوى المقاومة
لعبة المسودات بدأت، وسوف تستمر هذه اللعبة حتى تنصيب الرئيس “ترامب” رسميا، لكن هذه اللعبة قد تتطور إلى حرب لا يمكن التنبؤ بها ولا بحجمها ولا بطبيعتها