لغز هواتف غارفيلد.. لماذا تظهر على شواطئ فرنسا منذ عقود؟

السياسي -وكالات

كان البعض يمشي على طول الشواطئ الفرنسية، ليصادف شيئاً غريباً يبرز من بين الرمال بلونه البرتقالي المميز، يشبه رأس قطة. وعند إزالته من الرمال وغسله في مياه البحر، يظهر وجه مبتسم لشخصية “غارفيلد”.

وقد شكلت هذه الظاهرة لغزاً استمر لعقود وأثارت الكثير من التكهنات، حيث بدأت تظهر على شواطئ شمال غرب فرنسا، منذ ثمانينات القرن العشرين وحتى وقت قريب، مئات الهواتف على شكل القط الشهير “غارفيلد”.

ظلت هذه الظاهرة غير مفسرة، ولم يعرف أحد مصدر هذه الهواتف أو سبب ظهورها المستمر.

لغز هواتف غارفيلد
في عام 1978، أصدرت شركة تايكو منتجاً جديداً للهاتف يظهر فيه القط الشهير المحب لللازانيا، غارفيلد، وقد أحب وأعجب بالهواتف الجديدة هواة الجمع الذين لديهم اهتمامات محددة، وجذبت قصة جيم ديفيس المصورة عن غارفيلد قاعدة جماهيرية كبيرة من هواة الجمع والمعجبين المغرمين بقصته وشخصيته.

هذا الهاتف الشهير الذي صُمّم على هيئة القط غارفيلد كان يُعدّ حيلة تجارية لجذب محبي الشخصية الكرتونية، حيث تم تصميمه بشكل مبتكر، فعندما يرفع الهاتف السلكي من ظهره، تفتح عينا غارفيلد، وعندما يعاد إلى مكانه، يعود القط إلى حالة “الغفوة”. ولا يزال هذا الهاتف متاحاً إلى اليوم للبيع على مواقع تجميع المقتنيات.
لكن في منتصف الثمانينيات، بدأت هذه الهواتف بالظهور بشكل غير مفهوم على شواطئ عديدة في فرنسا، ما أثار دهشة واستياء مجموعة من الناشطين البيئيين المحليين، تعرف بـ Ar Viltansoù، الذين اختاروا وجه غارفيلد ليكون رمزاً لحملاتهم ضد التلوث البحري.
وبعد عقود من الحيرة والبحث عن مصدر هذه الهواتف، تقدم أخيراً مزارع محلي بمعلومة هامة، إذ كشف عن وجود كهف بحري منعزل قريب لا يمكن الوصول إليه إلا عند انخفاض المد، وهناك، اكتُشف السر الذي ظل غامضاً لسنوات طويلة.

السفينة
في عام 2019، قام فريق صغير من أعضاء مجموعة Ar Viltansoù، برفقة صحافيين، بالتسلل عبر الصخور الزلقة إلى كهف معزول، وبين الشقوق، ظهرت قطعة بلاستيكية برتقالية زاهية تحت الصخور، كاشفة عن لغز طالما حير الجميع، إذ تبين أن حاوية شحن سقطت من سفينة أثناء عاصفة عاتية في الثمانينيات، وكانت تحتوي على منتجات عديدة، وأهمها هواتف غارفيلد، والتي علقت داخل الكهف البحري. ومع حركة المد والجزر، كانت الهواتف تُسحب ببطء من الكهف لتطفو على الشواطئ.
ومع حل لغز الهواتف، لم تحل المشكلة الأساسية، إذ تظل الشحنة مدفونة إلى حد ما، مما يجعل من الصعب معرفة مقدار الهواتف المتبقية ومتى سيتوقف ظهورها على الشواطئ.

وفقاً لرئيسة Ar Viltansoù، كلير سيمونين لو ميور، فقد اختفت معظم الهواتف، إذ عمل البحر على تفريقها على مدار ثلاثة عقود، قائلة: “وصلنا بعد فوات الأوان”.
يذكر غارفيلد بتحدي التلوث البحري، فبينما تبدو هواتفه الطافية طريفة، تظل هذه الحادثة جزءاً من مشكلة أوسع تتعلق بتلوث المحيطات وتراكم النفايات التي تجرفها الأمواج إلى الشواطئ حول العالم.

البطة المطاطية
وفي عام 1992، فقدت سفينة حاويات شحنات من حوالي 28800 لعبة استحمام مطاطية على شكل بطة.
وفي عام 2018، انجرفت آلاف حاويات الأحذية إلى البحر، وبدأت أحذية Nike Trainers في الانجراف على الشواطئ من برمودا إلى أيرلندا، ويقدر مجلس الشحن العالمي أن حوالي 1000 حاوية شحن تنجرف إلى البحر كل عام، مما يؤدي إلى تلويث المحيطات والشواطئ بآلاف الأرطال من القمامة.
ويتفاقم هذا التلوث مع أخطاء بيئية أخرى من صنع الإنسان، لإلقاء ما بين 4.8 مليون و12.7 مليون طن من البلاستيك في المحيط كل عام، وتستمر هذه المواد البلاستيكية في تعطيل النظم البيئية القائمة على المحيطات بطرق لا حصر لها، حيث تتشابك القمامة مع الحياة البحرية، أو تأكلها الكائنات البحرية عن طريق الخطأ، أو تتحلل إلى جسيمات بلاستيكية دقيقة تشق طريقها إلى سلاسل الغذاء.
وتمتد قضية التلوث بالمواد البلاستيكية الدقيقة إلى الإنسان نفسه، حيث تُظهر الدراسات أن هذه المواد تدخل الجسم عبر مياه الشرب وتناول المأكولات البحرية، وقد وصلت إلى مستويات غير مسبوقة مع اكتشافها في مشيمات الأجنة لأول مرة، ولا تزال المخاطر الصحية لهذه المواد قيد الدراسة من قِبل العلماء، في محاولة لفهم تأثيراتها على الأجيال القادمة.
ويمكن للأفراد المساهمة في الحد من هذه المشكلة باتباع خطوات بسيطة، مثل تقليل استخدام البلاستيك الذي يستعمل لمرة واحدة، ودعم التشريعات الهادفة إلى تقليل إنتاج البلاستيك والنفايات، والمشاركة في جهود إعادة التدوير، والانضمام إلى أنشطة تنظيف الشواطئ والأنهار.

كما ينصح بتجنب المنتجات التي تحتوي على حبيبات بلاستيكية دقيقة، ودعم المنظمات التي تكافح التلوث البلاستيكي، وقد تبدو هذه الجهود بسيطة، لكنها خطوات مهمة نحو عالم أنظف، لأجل “غارفيلد” وكل ما يجسد المحبة والاعتناء بكوكبنا.

شاهد أيضاً