لماذا صوت اليهود لممداني في نيويورك

السياسي – أبرزت انتخابات عمدة مدينة نيويورك هذا الأسبوع حدثا لافتا، تمثل في فوز زهران ممداني، رغم التحذيرات المتكررة بشأن معاداته المزعومة للسامية وعدائه الموثق للاحتلال الإسرائيلي. اللافت أن ممداني نجح في كسب نسبة معتبرة من الأصوات اليهودية، ما يطرح تساؤلات حول دوافع هؤلاء الناخبين، وفق تحليل أعدته صحيفة هارتس الإسرائيلية.

ويشير التقرير إلى صعوبة تحديد نسبة الأصوات اليهودية بدقة، إذ لا تجمع مدينة نيويورك بيانات رسمية عن الانتماء الديني للناخبين. ومع ذلك، أظهر استطلاع رأي أجراه موقع “سي إن إن” أن 32% من اليهود المشاركين صوتوا لممداني. ورغم أن هذه النسبة تعد الأدنى بين المجموعات الدينية، وأقل بكثير من نسبة 50.4% من إجمالي الأصوات، فإنها رقم مضلل، إذ يختلف سلوك التصويت بشكل كبير بين اليهود الأرثوذكس وغير الأرثوذكس.

ويوضح التقرير أن اليهود المتشددين يختلفون عن غيرهم إلى درجة تجعلهم مجتمعا سياسيا منفصلا. فهم أكثر فقرا ما قد يدفعهم نحو مرشحين تقدميين مثل ممداني، لكنهم أكثر محافظة اجتماعيا، ما يجعلهم يميلون إلى المعسكر الجمهوري. ففي الانتخابات الرئاسية لعام 2024، صوت 86% من اليهود الأرثوذكس لترامب، بينما تراوحت نسبة التصويت بين اليهود غير الأرثوذكس بين 14% و32%، بحسب مركز موارد الناخبين اليهود.

كما أظهرت نتائج الانتخابات حسب الأحياء أن أندرو كومو حصل على دعم يفوق 90% في أحياء الحيشيديم، ما يعني أن باقي اليهود غير الأرثوذكس شكلوا قاعدة داعمة كبيرة لممداني، بما يتجاوز نسبة 32% التي أظهرها الاستطلاع.

ويشير تحليل صحيفة هارتس إلى أن جزءا من الناخبين اليهود التقدميين قد يشارك ممداني بعض مواقفه الانتقادية تجاه الاحتلال الإسرائيلي، ويشعر بالارتياح لأن معاداة إسرائيل أصبحت جزءا من أركان الإيمان في التيارات اليسارية المتقدمة، إلى جانب الدعم للرعاية الصحية الشاملة والقلق من التغير المناخي، إلا أن أغلبية اليهود في نيويورك يشعرون بارتباط عاطفي قوي بإسرائيل، وفق مسح جمعية اليهود المتحدين عام 2023.
ويبدو أن ما جذب هذا العدد الكبير من اليهود غير الأرثوذكس إلى ممداني هو برنامجه الاقتصادي، لا مواقفه من الاحتلال. فممداني يصف نفسه بأنه “اشتراكي ديمقراطي”، وقد اعتبره ترامب والجمهوريون شيوعيا، وهو وصف مبالغ فيه. وبرنامجه لا يقترح تأميما واسعا أو توسيعا كبيرا لبرامج الرعاية الاجتماعية، فمثلا تم تجربة متاجر بقالة مملوكة للمدينة في أماكن مثل كانساس سيتي، وكانت العديد من الحافلات مجانية في بوسطن لعدة سنوات.

وتشير “هارتس” إلى أن ممداني، حتى لو تمكن من تنفيذ أجندته بالكامل، لن يحول نيويورك إلى “جمهورية شعبية”، لا سيما أن سلطات عمدة المدينة محدودة، ومالية المدينة مرهقة بحيث يصعب تمويل مشاريع بمليارات الدولارات، كما أن هذه المشاريع من غير المرجح أن تجعل المدينة أكثر ملاءمة من حيث التكلفة.

ويؤكد التقرير أن الدعم الكبير لممداني ينبع من معاناة السكان من ارتفاع تكاليف المعيشة واتساع فجوة الدخل، وأن البرامج المبسطة مثل متاجر البقالة المملوكة للمدينة ورعاية الأطفال المجانية سهلة الفهم بالنسبة للعائلات التي تكافح لتغطية احتياجاتها اليومية.

جيل زد والاشتراكية
ويرى التقرير أن الشباب هم الأكثر تضررا اقتصاديا، خصوصا أبناء الجيل الذي ولد بين 1946 و1964، الذين استمتعوا بفرص تعليم وسكن منخفضة التكلفة، ما جعل الأجيال التالية تواجه تكاليف دراسية وسكنية مرتفعة، إضافة إلى فقدان الوظائف. ويشير استطلاع معهد كاتو إلى أن 62% من الأمريكيين تحت سن 30 يؤيدون الاشتراكية، وأظهر استطلاع “سي إن إن” أن الأصغر سنا في نيويورك كانوا أكثر احتمالا للتصويت لممداني.

كما توضح هارتس أن اليهود في نيويورك أغنى من متوسط الأمريكيين، فوفق اتحاد UJA، فإن 36% من الأسر اليهودية تتجاوز دخولها السنوي 150 ألف دولار، مقارنة بـ29% للأسر الأخرى. ومع ذلك، فإن دعم اليهود للسياسيين الليبراليين والتقدميين مستمر، حتى مع تزايد ثروتهم، ما يعكس قيما تعليمية وليبرالية تتجاوز المصالح الاقتصادية المباشرة.

ويشير التقرير إلى أن 46% من اليهود يعتبرون أنفسهم ليبراليين، و59% ديمقراطيين، مقابل 17% محافظين و16% جمهوريين. كما أظهر استطلاع “سي إن إن” أن 57% من الناخبين الحاصلين على شهادات عليا أيدوا ممداني، مقابل 38% فقط لمنافسه كومو.

وترى هارتس أن هذه الظاهرة تعكس تعليما يركز على التفكير النقدي والبحث الحر، ما يمكن الميسورين ماديا من رؤية السياسة كوسيلة لتحسين المجتمع وليس مجرد أداة لتحقيق مصالحهم الاقتصادية.