“لماذا عادت قضية القسّام في جنوب رفح إلى الواجهة الآن؟ قراءة تحليلية في التوقيت والنتائج المحتملة”

بقلم: سامي إبراهيم فودة

منذ إعلان ما يُسمّى بـ «اتفاق وقف إطلاق النار» بين حركة حماس والجيش الإسرائيلي، بدا أن ملف مسلّحي القسّام في جنوب رفح – وتحديداً في المنطقة التي يُشار إليها بالحدود الصفراء أو التي انسحب إليها الجيش الإسرائيلي – قد دخل مرحلة “تجمّد” أو “انتظار”. لكن فجأة في هذا التوقيت ظهرت التصريحات، الإنذارات، وطائرات الجيش الإسرائيلي تُنفّذ ضربات أو تحذيرات في تلك المنطقة. لماذا الآن؟ لماذا لم تُحلّ هذه الملفّ منذ الاتفاق؟ وما هي النتائج التي يمكن أن تؤدي إليها هذه العودة؟
في هذا المقال أحاول تقديم تحليل للأسباب، الأسباب الكامنة، والتداعيات المتوقّعة، مستنداً إلى المعطيات المتاحة، مع ملاحظة أن هذه قراءة تحليلية وليست تصريحاً رسمياً.

تحليل الأسباب – لماذا الآن؟

1. تغيّر في توازن القوى الميداني

لقد أعلنت كتائب القسّام تنفيذ ضربات في رفح وسائر الجنوب، منها استهداف مركبات وآليات للجيش الإسرائيلي في رفح.

وفي المقابل، القوات الإسرائيلية صرّحت بأنها عثرت على مصانع صواريخ ومخازن أسلحة في جنوب رفح.

هذا يعني أن وجود بنية تحتية للمسلّحين في تلك المنطقة لا يزال قائماً أو على الأقل يُدّعى أنه كذلك، ما يجعل القضية “نشِطة” بدلاً من أنها “مغلقة”.

2. غياب السيطرة الفعلية أو الغموض حولها

كتائب القسّام نفسها نشرت بياناً تقول فيه إنها “لا علم لها بأيّ أحداث أو اشتباكات تجري في منطقة رفح” لأنها «تحت سيطرة الاحتلال» وليس لديها اتصال بوحدات هناك منذ مارس 2025.

هذا الاعتراف بالغياب أو ضعف السيطرة يطرح سؤالاً: من يدير أو يتحكّم فعلياً بمن فيها؟ وهل الجزء الذي يُعتبر “تحت السيطرة الإسرائيلية” فعلاً تحت مراقبة أو تعطّلت القيادة؟

الأمر يُشير إلى أن الاتفاق أو وقف إطلاق النار لم يتعامل مع هذه المنطقة بشكل واضح أو لم يُنجَز فيه التنفيذ الكامل.

3. التوقيت السياسي والعسكري

توقيت عودة تسليط الضوء على هذه المنطقة يتزامن مع ضغوط إسرائيلية للمزيد من السيطرة أو إعادة ترتيب الوضع الأمني في رفح. ضربات جوّية في رفح رغم الاتفاق تؤكّد ذلك.

كذلك، من الممكن أن تكون إسرائيل تسعى إلى “ترسيخ انسحابها” مع ضمانات أمنية أكثر فعالية، عبر التأكيد على أن “وجود مسلّحين لم يُعالج” يشكّل ذريعة لتدخل أو استمرار الاحتفاظ بمنطقة محددة تحت سيطرتها.

4. فشل أو تأخّر في بنود الاتفاق

يبدو أن وقف إطلاق النار لم يتضمّن معالجة بعمق لقضية ما بعد الحرب، بما في ذلك منطقة رفح. غياب بنود واضحة أو تنفيذها يمكن أن يؤدي إلى تراكم المشكلات التي لم تُحلّ، والآن تُستعاد على شكل ملف مفتوح.

بالإضافة، وجود “خط أصفر” أو “حدود صفراء” يُستخدم في الإعلام الإسرائيلي كخطّ انسحاب مؤقت، لكنّه سرعان ما يتحوّل إلى خطّ مراقبة أو نقطة سيطرة دائمة.

بالتالي، من الطبيعي أن تعود قضية “مسلّحو القسّام في رفح” إلى الواجهة، لأن الاتفاق المؤقت لم يعالج جذور الأمر.

لماذا لم تُحلّ هذه القضية مع وقف إطلاق النار؟

1. ضعف الضمانات أو الرقابة

إن الاتفاق الذي تمّ لم يوفر (أو على الأقل لم يُفعّل) آليات مراقبة أو تفتيش دقيقة لمنطقة رفح، بحيث يمكن التحقّق فعليّاً من انسحاب المسلّحين أو تفكيك البنية التحتية.
بدون رقابة محايدة أو مراقبين دوليين، تصبح المنطقة “رمادية”: تحت سيطرة معلنة، لكن عمليا قد تكون مخترَقة أو شبه مُهجَرة أو تحت سيطرة جماعات داخلية.

2. التعقيدات الميدانية والجغرافية

رفح تقع على حدود مع مصر، وتشكّل منطقة معقّدة من نفق التهريب، الأنفاق الممتدّة، والتحكّم في الحدود. إسرائيل تربط عملاً في رفح بالحيلولة دون إعادة تسليح ومعادلات نقل الأسلحة.
إذن ليس مسألة وقف إطلاق النار فقط، بل السيطرة اللوجستية والأمنية عليها – وهذه قضية أكثر صعوبة من مجرد إعلان الهدنة.

3. اختلاف التفسير والمصالح

من جهة حماس/القسّام قد يكون هناك تفاهم بأن الاتفاق يغطي بعض المناطق ولا يشملها بالكامل أو أن وحدات محلية تعمل بصورة شبه مستقلة (أو منفصلة القيادة).

من جهة إسرائيل قد يكون الإبقاء على وجود أو سيطرة في رفح شرطاً لأمنها القومي، وبالتالي لا تعتبر أن “حلاً كاملاً” قد تحقق. وبهذا فإن “استبعاد” مسلّحين أو تفكيكهم ليس أمراً تلقائياً بمجرد وقف إطلاق نار.

4. تحوّل وقف إطلاق النار إلى “تجميد مؤقت”

بدلاً من أن يُصب في حلّ تدريجي، انتهى الأمر بأن الاتفاق ساوى بين طرفين في وضع توقف إطلاق نار، لكن ليس معالجة. وعندما لا تُعالج القضايا الأمنية العميقة – كالأنفاق، والتسليح، وسيطرة الأرض – فإن الملفات تتراكم وتُستعاد لاحقاً.

ما هي النتائج المحتملة؟

أ) إمكانية تجديد التصعيد

إذا اعتبرت إسرائيل أن وجود مسلّحين أو بنية تحتية للقسّام في رفح يشكّل “خرقاً” أو تهديداً، فستستخدم ذلك ذريعة لتوسيع العمليات العسكرية أو إعادة التقدّم في رفح، حتى وإن كان ضمن بند “ضبط الأمن”.

وعلى الجانب الآخر، قد تستأنف القسّام أو فصائل المقاومة نشاطاتها انطلاقاً من رفح، ما يعيد دوّامة القتال حتى مع اسم “وقف إطلاق نار”.

ب) تحوّل منطقة رفح إلى “منطقة شبه احتلال” مؤقتة

ما نشاهده من نشر قوات إسرائيلية، وضع حدود “صفراء”، وإطلاق النار على من يتجاوزها، يُوجد وضعاً يشبه احتلالاً أو مراقبة دائمة.

هذا يمكن أن يُكرّس واقعاً جديداً: رفح ليست بالكامل تحت الإدارة الفلسطينية في حماس، لكنها أيضاً ليست تحت السيادة الإسرائيلية الكاملة، بل في “منطقة متنازع عليها” أمنياً.

ج) تأثير على الموقف الفلسطيني الداخلي

حماس قد تمارس ضغوطاً على إسرائيل والمجتمع الدولي بأن “لم يُطبّق الاتفاق بالكامل” أو “هناك بنود لم تُنفّذ” لكي تستعيد بعض النفوذ أو تدفع باتجاه تفاوض على تفاصيل ما بعد وقف إطلاق النار.

كذلك، مسألة رفح تصبح حقلاً للوضع الداخلي: كيف تُدار المنطقة؟ من يسيطر؟ هل تُنفّذ مهام إعادة الإعمار؟ الشعور بأن رفح “مهمّشة” أو “مفتوحة” يمكن أن يؤدي إلى توترات داخل غزة.

د) تأثير على مفاوضات ما بعد الحرب

قد تصبح رفح “بطاقة تفاوض” مهمة في جولات ما بعد الحرب أو الترتيبات المستقبلية: من يسيطر؟ ما هي آليات التفتيش؟ هل يُسمح بحركة برّية عبر المعبر؟

أيّ اتفاق مستقبلي قد يُركّز تحديداً على رفح كنقطة أمنية حرجة بين إسرائيل، مصر، وحماس، وليس مجرد وقف إطلاق نار.

خلاصة مقترَحة

بناءً على ما سبق، يمكن القول إن قضية مسلّحي القسّام في جنوب رفح لم تُحلّ مع وقف إطلاق النار لأنها لم تُعالج من جذورها: لا تفكيك بنية تحتية، ولا ضمانات رقابية واضحة، ولا تسوية نهائية للسيطرة على الأرض. والآن عادت إلى الواجهة بفضل تغيرات ميدانية، أمنية، وسياسية – ما يجعل رفح منطقة محورية لمزيد من الصراع أو التفاوض.
إذا لم تُعالج هذه النقاط، فإن الوقف الحالي قد يتحوّل إلى “تجميد هشّ” يُنقضّ بسهولة، ورفح ستبقى مصدر توتر مستمر.

صفحة جريدة الصباح