هل اشتباكات لوس انجيلوس والتوتر المتصاعد بين حكومة ولاية كاليفورنيا وادارة ترامب يخفي أمرا ما؟ وهل لكاليفورنيا خصوصية بين ولايات الاتحاد الامريكي ؟ دعوني احاول تفكيك المشهد:
أولا: النظرة السلبية جدا من ترامب لولاية كاليفورنيا:
لا ينسى ترامب أن الولاية صوتت لصالح هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها ترامب-دورته الاولى-، فقد ذهب 61% من الاصوات لهيلاري كلينتون ، وفازت بالتالي باصوات الكلية الانتخابية ال 54 كلها، وهو ما استشاط منه ترامب غضبا.
وفي الانتخابات الرئاسية الثانية لترامب (دورته الحالية) صوت 58.5% لصالح كامالا هاريس (الديمقراطية) بينما فاز ترامب ب 38.3%، وبالتالي فازت بمقاعد الكلية الانتخابية كلها (54 مقعدا) مرة اخرى، فإذا علمنا ان الفوز في الكلية الانتخابية يحتاج ل 270 صوتا، فهذا يعني ان كاليفورنيا تمثل 20% من نسبة نجاح اي مرشح رئاسي، وهي بهذا تحتل المرتبة الاولى بين كل الولايات ، ومن هنا فان وقوفها ضد ترامب في دورته الاولى والثانية وبفارق واضح ترك مرارا في حلقه .
كما ان ادراك ترامب أن هذه الولاية (الاكبر سكانا في الولايات المتحدة بحوالي 40 مليون نسمة ،ومساحتها اقل قليلا من مساحة العراق وتحتل المرتبة 3 بين الولايات الامريكية الاخرى ) هي احد مراكز النفوذ الديمقراطي يحيل المرار الى علقم.
ثانيا: استراتيجية ترامب الاقتصادية:
تعتمد استراتيجية ترامب على البعد الاقتصادي بشكل رئيسي، بل ان هيئته السياسية(MAGA ) تجعل من البعد التجاري والانتاجي والمالي وغيرها من مقومات الاقتصاد الكلي والجزئي الاساس لكل ما يقوم به، ولما كانت كاليفورنيا هي مركز الاقتصاد الامريكي- بل وتحتل المرتبة الخامسة عالميا في اجمالي ناتجها المحلي- بواقع اجمالي لناتجها المحلي يصل الى 4.2 تريليون(عام 2024)،فان ترامب يعلم ان تحفظات كاليفورنيا على بعض خططه الاستراتيجية بمقومها الاقتصادي يجعل من فرص نجاحه اقل، فترامب يعلم ان بعض تصوراته هي موضع نقد حاد من القوى الداخلية في كاليفورنيا ، وهو ما يتضح في الآتي:
أ- وصف حاكم كاليفورنيا سياسة التعرفات الجماركية لترامب بأنها تقود لعشرات المليارات-قدرها ب 40 مليار- من الخسائر لاقتصاد كاليفورنيا ،ناهيك عن انه سيترتب عليها فقدان حوالي 64 الف وظيفة عمل، وستؤدي الى خسائر اجمالية(اسعار ووظائف وتأثير على معدل النمو المحلي ..الخ) تصل الى 40 مليار.
ب- ترى النخب الكاليفورنية أن ” التراجع المستمر والفوضى الادارية وصعوبة التنبؤ بالقرارات ” كسمات واضحة لسياسات ترامب تنعكس سلبا وبقوة على الاداء والتخطيط الاقتصادي في ولاية تمثل درة الاقتصاد الامريكي.
ت- ان الرفض لسياسات ترامب لم يبق في اطار الرفض اللفظي بل نقلته ادارة الولاية الى ساحات القضاء ، وهو ما أجج بعض الاشتباكات وادخل القوات لامريكية ميدان الصراع لفرض النظام بالقوة.
ثالثا: التركيبة السكانية لكاليفورنيا:
لما كانت احدى ركائز استراتيجية ترامب هي التضييق على المهاجرين وعلى “غير البيض” بل وغير ” البروتستنت ولو بحدة اقل”، فان كاليفورنيا لا تتسق تركيبتها الديموغرافية مع ميول ترامب في هذا الجانب، فهذه الولاية تعرف تحولا جذريا في بنيتها الديموغرافية، فمنذ 1950 الى الآن تراجعت نسبة البيض من سكانها من 94% الى 39% حاليا، بينما يشكل الآسيويون والسود والامريكيون اللاتينيون حاليا اكثر من 55%( اليهود حوالي 1%). ذلك يعني ان سياسات ترامب هي التي فتحت نافذة احياء الحساسيات العرقية والدينية أوالاثنية بشكل عام .
رابعا : وجود نزعة انفصالية في بعض شرائح المجتمع الكاليفورني:
ثمة حركتان سياسيتان في كليفورنيا لا يجوز تجاوزهما ،فأول الغيث قطر، فالحركة الاولى وهي “Cal.Exit” وتعني خروج كاليفورنيا تيمنا بخروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي(Brexit)، وهذه الحركة برزت مع اقتحام ترامب ميدان التنافس على الرئاسة، إذ شكلت بياناته ونزعاته العنصرية ومواقفه الاقتصادية وساوس لشرائح متضررة من هذه التخطيطات الترامبية، كما ان اقامة قائد هذه الحركة- لويس مارنيلي- بشكل ملفت للنظر في روسيا لفترات طويلة تستحق التأمل في ظل الشكوك حول علاقات ترامب ذاته بروسيا، وفي ظل قيام هذه الحركة بفتح مكتب لها في موسكو تحت ذريعة “التعريف بالثقافة والمجتمع الكاليفورني”.
اما الحركة الثانية وهي Yes Cal” ” ليست منبتة الجذور عن الحركة السابقة، فمؤسسها هو ذاته وشعاراتها ذاتها، كما انها توقفت عن النشاط عام 2024، لكن ذلك لا ينفي دلالاتها الميدانية، مع ضرورة التبنه الى ان درجة الاستجابة للحركتين كانت متواضعة بل وتميل الى التراجع، لكن سياسات ترامب والمتغيرات الاخرى التي اشرنا لها تشي بأن وراء الاكمة ما وراءها، ففي عام 2014 كانت نسبة تاييد الانفصال في كاليفورنيا حوالي 20%،لكنها مع العام الاول لترامب في دورته الاولى ارتفعت الى 32%، وهو مؤشر لا يجوز التغاضي عنه دون المبالغة في دلالاته.
ولعل النزعات الانفصالية في التاريخ الامريكي هي نزعات متواضعة (خارج سياق الحرب الاهلية )، لكن وجود حوالي 30% من سكان كاليفورنيا يجاورون المكسيك التي لا تزال تطوي داخلها الاحساس بان تكساس ارض مكسيكية خسرتها منذ 1846، قد يدفع هذه الدولة “لبعض الامل ” بتنامي نزعات الانفصال بين بعض الولايات الامريكية لكي يصيبها من ذلك ما تتمناه من تكساس المكسيكية سابقا.
كل ما سبق يغوي على تساؤلات كثيرة: هل ما يجري في كاليفورنيا هو مجرد خلاف عابر بين ولاية والمركز؟ ام ان الامر له صلة بنزعات انفصالية موجودة في المجتمع الكاليفورني ؟ ام هو مخطط تشجعه روسيا؟ ام ” كوكتيل” من كل هذا، ربما.
