لماذا لم تُعلن غزة منطقة منكوبة أو في حالة مجاعة

السياسي – منذ الشهور الأولى للحرب الأخيرة على غزة، تتوالى صور الأطفال الهزلى، والمستشفيات المزدحمة بالمرضى الذين لا يجدون دواءً أو حتى ماءً نظيفًا، وتقارير المنظمات الدولية التى تصف الوضع بأنه “غير مسبوق”.

وبرغم ذلك، لم يجرؤ أحد حتى الآن ـ لا السلطة الفلسطينية ولا أية جهة عربية أو دولية ـ على إعلان غزة رسميًا منطقة منكوبة أو الاعتراف بأنها تعيش حالة مجاعة.

قد يبدو الإعلان مجرد إجراء شكلي أو تعبير لغوي، لكن الحقيقة أن له وزنًا قانونيًا وسياسيًا قد يغير قواعد اللعبة. فبموجب اتفاقيات جنيف، الاحتلال ملزم بضمان الغذاء والدواء للسكان المدنيين، وأي منع لوصول المساعدات الإنسانية بعد إعلان رسمي بالمجاعة يُعتبر جريمة حرب واضحة. كما أن الاعتراف الدولي بالمجاعة يفتح الباب أمام مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة للتدخل، سواء بفرض ممرات إنسانية أو إرسال بعثات مراقبة، بل وحتى بتوزيع المساعدات مباشرة على الأرض.

سياسيًا، يغيّر الإعلان اللغة ذاتها التى يستخدمها العالم عند الحديث عن غزة. “أزمة إنسانية” قد تبدو وصفًا مطاطًا يتسع للمماطلة والتأويل، أما “كارثة إنسانية” أو “مجاعة”، فهي لغة قانونية لا يمكن تجاهلها. أي عرقلة للمساعدات بعد ذلك تصبح فضيحة دولية لا لإسرائيل وحدها، بل أيضًا لكل من يتواطأ بالصمت. وهو ما قد يفسر لماذا تخشى بعض الحكومات وحتى الأطراف الفلسطينية الرسمية الإقدام على هذه الخطوة: فالاعتراف سيضع الجميع أمام مسؤولياتهم.

الأمر ليس بلا سوابق. فى الصومال عام 2011، دفعت الأمم المتحدة باعترافها بالمجاعة إلى تحرك عاجل أنقذ آلاف الأرواح. وفي هايتي عام 2010، كان إعلانها “منطقة منكوبة” كفيلًا بتعبئة المجتمع الدولي. فما الذي يمنع أن يحدث الشيء نفسه فى غزة؟

الحقيقة المؤلمة أن السلطة الفلسطينية تقاعست عن القيام بدورها،  مع غيابها الكامل عن نصرة غزة ومؤازرتها مما جعل غزة بلا غطاء سياسي أو قانوني رسمي فلسطيني فى المحافل الدولية. يضاف إلى ذلك الضغوط الخارجية التى لا تريد توصيفًا قانونيًا يضع الاحتلال مباشرة أمام المساءلة الدولية.

ومع ذلك، تبقى الخيارات قائمة: إعلان رسمي بأن غزة “منطقة منكوبة”، دفع المنظمات الدولية كالصليب الأحمر وبرنامج الأغذية العالمي إلى توصيف الوضع بالمجاعة، أو حتى إطلاق حملات إعلامية وحقوقية تضغط لاستخدام المصطلحات القانونية الصحيحة.

فى النهاية، إعلان غزة “منطقة منكوبة” أو “في حالة مجاعة” ليس شعارًا، بل ورقة ضغط قانونية وإنسانية. إعلان كهذا يمكن أن يفرض فتح المعابر، ويحوّل معاناة الناس من مجرد “أزمة” إلى قضية ملزمة للعالم بأسره. وربما، يكون التأخير فى إصداره هو أحد أوجه الصراع الأعمق: صراع بين واقع يصرخ بالجوع والكارثة، وسياسة ما زالت تختار الصمت.

-إبراهيم حمامي