في خطوة مفاجئة وغير منتظرة أعلن الرئيس الفرنسي “إمانويل ماكرون” شهر ماي الماضي من العاصمة السنغافورية على هامش زيارة رسمية هناك؛ أنه -وكرئيس لدولة فرنسا-مستعد للاعتراف بدولة فلسطينية في شهر جويلية الجاري كمسعى لإيجاد لحل الدولتين الذي -تدعي- السلطات الفرنسية أنها تدعمه؛ ومع أن الاعتراف الفرنسي يشترط تحييد قوة حماس وكذا الاعتراف الكامل من طرف السلطة الفلسطينية بحق الكيان في العيش بسلام؛ واعتراف عربي كامل بالكيان, لكن فجأة وبالطريقة نفسها ينسحب ماكرون وفرنسا من مؤتمر الاعتراف بدولة فلسطين الذي كانت تعتزم السعودية إقامته في نيويورك.
تشير بعض التقارير المتطابقة أن ضغوطا بريطانية/كندية وخلفها أمريكية مورست على ماكرون؛ حيث تم تحذيره أن أي اعتراف أحادي يمكنه أن يؤدي إلى تقويض التنسيق الدبلوماسي الغربي مع الكيان؛ دون نسيان اللوبي الصهيوني المسيطر على بنوك واقتصاديات وإعلام الدول الغربية ومنها فرنسا، فعلى غرار الصمت المطبق الذي لف ويلف العالم بعد تدمير كامل لقطاع غزة؛ يواصل العالم سد أذنيه بعد إعلان برلمان الكيان اعتزامه المصادقة على قانون لفرض سيادته على الضفة الغربية وغور الأردن؛ كتصعيد غير مسبوق؛ ما يجعلنا نتأكد أن هناك تنسيقا بين الغرب والكيان لمحو الدولة والهوية الفلسطينية وتهجير الشعب الفلسطيني؛ ويجعل من الاعتراف بالدولة الفلسطينية من طرف دولة نووية تملك مقعدا دائما في مجلس الأمن عائقا أمام التطبيق السلس لهذه الجريمة.
كما تعاني فرنسا مشاكل داخلية خانقة على الصعيد السياسي وذلك بالانسداد الحاصل ضمن البرلمان الفرنسي والتهديد المستمر بالإطاحة بحكومة “بايرو”؛ أما على الصعيد الاقتصادي فالحكومة الفرنسية تحت رحمة الدَين العام حيث قدر ب 3,3 ترليون يورو، والذي تعتزم الحكومة الفرنسية التعامل معه بطرح مشروع ميزانية عامة تمتاز بإجراءات تقشفية وترشيد للنفقات العامة؛ بالإضافة إلى الوضع الاقتصادي للمواطن الفرنسي التي تنذر بموجة احتجاجات ستميز الدخول الاجتماعي القادم، كل هذه الضغوط الداخلية جعلت ماكرون يغير رأيه مرات عديد فقد أكد عبر تصريحات سابقة أنه “لن يقدم اعترافا بدافع العاطفة” لدولة فلسطينية؛ لكنه على النقيض يمكنه أن يقدم اعترافا بدافع المصالح الاقتصادية والمكاسب التجارية في حالة اعترافه بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، في إنكار تام لحق الشعب الصحراوي في تقرير مصيره وضرب عرض الحائط كافة المواثيق الدولية والقرارات الأممية التي تجعل من قضية الصحراء الغربية ضمن قضايا تصفية الاستعمار، وهذا ما يجعلنا نستنتج أن ماكرون مستعد للتشبث بأي قشة اقتصادية يمكنها أن تنتشله من كل هذه الأزمات الاقتصادية التي أوقع فرنسا فيها؛ ليقع تحت تهديد خروج مذل من الباب الضيق بحجب الثقة عن حكومته المهزوزة.
فبعد إذعان القيادة الفرنسية للضغوط الخارجية تظهر مترنحة ما يضرب مصداقيتها دوليا؛ أما محليا يعتبر الكثيرون “ماكرون” مختطفًا؛ عالقاً بين مطرقة اليمين وسندان اليسار؛ -ففي آخر خبر وارد من خم “الإيليزي”- يظهَرُ جليا تهلهل القرار السياسي الفرنسي؛ فإن الرئيس ماكرون يعلن أنه يعتزم الاعتراف بدولة فلسطين شهر سبتمبر القادم ضمن أعمال الجمعية العامة للأمم المتحدة؛ ليُصَرِحَ متتبعون أن ما يحدث مُرَاهَقَةٌ سياسية من “التلميذ المُعنف” لإلهاء الرأي العام الفرنسي والعربي والعالمي؛ هذا ما يبرر عدم اعتراف “ماكرون” بالدولة الفلسطينية بشكل أُحَادِي وأظنه لن يفعل.
aboubamine@gmail.com