من الصعب الحصول الان على إجابة ناهية. ولكن لنتفق من البداية ان هذا التغيير ليس بسبب قوة الخطاب السياسي الفلسطيني أو العربي او الاسلامي . كما انه ليس بسبب نشاط وقوة تأثير اعلامنا الحكومي والسلطوي والتنظيمي، ولا بسبب دهاء مثقفينا ووزراء الخارجية .
هناك عوامل أساسية وهناك عوامل ثانوية ، ويمكن الافتراض ان العالم يتغير بقوة بفعل السوشيال ميديا بعد أن فقدت وسائل الاعلام التقليدية هيمنتها على وعي شعوب العالم.ولهذا يعود الفضل الى صناع المحتوى من الشبان .
ولا يزال تطبيق “تيك توك “هو المؤثر الأول على شعوب العالم رغم انشغال الإدارة الامريكية والرئيس الأمريكي شخصيا بمحاربته. وبودي التذكير ان الجامعات الامريكية كانت اول شرائح قادت التظاهرات ضد إسرائيل واخص بالذكر الأجيال اليهودية الصاعدة التي رفضت ما يفعله المتطرفون في إسرائيل وكسروا تهديدات ترامب واتهامات نتانياهو وكان لهم الفضل في ذلك وفي نشر الفكرة في الغرب وأوروبا وفي العالم كله .
في محاولتي البحث عن دور اليسار في العالم فيما يحدث اتضح لي ان اليسار كان صاحب موقف ثابت مع فلسطين ولكنه لم يكن قادرا على القرار ولا على تحريك الشارع الغربي ولا حتى الاسرائيلي . بل ان فئات أخرى كانت هي المركزية في تحريك الشارع الغربي مثل “انصار البيئة والمثليين الجنسيين والفوضويين” ، وهذه الفئات الثلاث الى جانب السوشيال ميديا هي التي حركت العالم كله لأجل فلسطين .
من يتابع ما تفعله جماهير ومجتمعات اسبانيا وجنوب افريقيا وايطاليا وفنزويلا وكولومبيا وامريكا اللاتينية ، ومن يتابع ما تفعله اجيال الشبان في امريكا واوروبا قاطبة يعرف ان المجتمعات البشرية قد تغيرت بالكامل .
السياسيون يعيشون الصدمة والانكار . ولكن علماء الاجتماع في العالم كانوا تنبأوا بهذا عند جائحة كورونا . وقبل خمس سنوات كتب علماء الاجتماع ان البشرية تعلمت الدرس وفهمت ان الكارتيلات الاحتكارية التي تتحكم بقرار العالم باتت غير مؤتمنة وغير صالحة للاستمرار في الحكم .
لم يعد هناك مكان في هذا العالم للخطابات الطائفية والجهوية والقبلية والعنصرية .. هناك خطاب انساني حضاري واسع ويقبل الآخر ، ومن لم يفهم ذلك فهو يخرج نفسه من دائرة الفعل والقرار .
بقي عامل واحد ورد ذكره خلال بحثي لمعرفة ما يحدث في اوروبا ، وقد ورد على لسان باحثين اثق بهم ( ان الاجيال الاوروبية الجديدة قررت التخلص من عقدة الذنب التي زرعتها الحركة الصهيونية في عقولهم وتحميلهم مسؤولية جرائم الحرب العالمية الثانية .. ولذلك خرجت الوفود من قاعة الامم المتحدة حين بدأ نتانياهو حديثه ) .
خطابات بعض القادة وبينهم نتانياهو صارت مثل حقنة ؛ مكررة ومزعجة وباردة بلا روح ولا يصدقها احد .. وشعوب العالم تبحث عن قادة يمكن تصديقهم ، وان مثل هؤلاء يمكن ان يمنعوا وقوع الحرب النووية وتدمير الارض او كارثة وقوع حرب عالمية ثالثة .
اما خطاب ترامب ، فيمكن وصفه بعبارة واحدة ( بهلوان لم يعد قادرا على إضحاك الجمهور الذي ينزف وينزف ) .