قبل اسابيع خرج الرئيس الاميركي دونالد ترامب بتصريحات مثيرة وغريبة ،تعكس سياسة الكابوي الاميركي والبلطجة السياسية التي تمارسها بلاده في انحاء العالم، فهو لم يتوقف عند رغبته في تهجير الفلسطينيين والاستيلاء على غزة، ثم السيطرة على كندا وضمها لبلاده، او الاستحواذ على جزيرة غرينلاند التابعة للملكة الدنمارك، و أعلن عزمه تغيير اسم خليج المكسيك إلى “خليج أميركا”، ثم شملت تصريحاته الاتحاد الأوروبي، وحلف شمال الأطلسي، وتحدثت عن الاستيلاء على معادن أوكرانيا لقاء الدعم العسكري، حيث يسعى للسيطرة على قناة السويس والقرار السيادي المصري.
قناة السويس القرار المصري المستقل
صرَّح ترامب قائلًا: “يجب السماح للسفن الأميركية بالمرور مجانًا عبر قناتَي بنما، والسويس، إذ لولا الولايات المتحدة لما قامت لهما قائمة. وقد كلفت وزير الخارجية ماركو روبيو بالتعامل الفوري مع هذا الملف”.
تعتبر قناة السويس عصب الاقتصاد المصري وتدر الى الخزينة غالبية الاموال التي تصلها، تمر عبرها نحو 12 بالمئة من حركة التجارة الدولية، وتوفر لمصر نحو 9 مليارات دولار سنوياً. ويرتبط الشعب المصري بهذه القناة ارتباطا وجدانيا حيث قدم دماء عشرات الالاف من ابناء شعبه سواءا لتشييدها او للدفاع عن استقلالها ، كما انها تغذّي نزعة الدفاع عن الكرامة والسيادة
بالنسبة للحركة الاميركية ، تمر بين 1,000 إلى 2,000 سفينة أميركية سنوياً عبر قناة السويس، من أصل نحو 20,000 سفينة، مما يمثل ما بين 5% و10% من إجمالي حركة السفن عبر القناة. وتسهم السفن الأميركية بما يُقدّر بين 500 مليون إلى مليار دولار سنوياً في هذه الإيرادات حسب تقارير البنك الدولي
الانهيار الاقتصادي الاميركي
يواجه الاقتصاد الأميركي تحدّيات متزايدة في التنافس مع الصين، خاصة في قطاع الشحن واللوجستيات. خفض تكاليف العبور للسفن الأميركية سيعني تحفيز صادرات أميركية أكبر إلى آسيا وأفريقيا عبر قناة السويس، وسيساهم في تقليل كلفة استيراد النفط والسلع من الخليج والهند والصين، لا سيما أن قناة السويس تُستخدم بشكل أساسي في هذه الخطوط.
تصريحات ترامبتصب في سياق سوى محاولة مكشوفة لتقليص التكاليف الأميركية على حساب الدول الأخرى، مكسب أميركا سيكون بحدّ أقصى مليار دولار سنوياً، لكنه سيُقابل بخسارة استراتيجية كبيرة لمصر، والتي ان خضعت لهذا الطلب، فستتكبد خسارة فورية بقيمة تصل إلى مليار دولار سنوياً في الإيرادات، كما أن هذه الخطوة ستشجّع دول أخرى على طلب إعفاءات مماثلة مما سيُقوّض نموذج التمويل الذاتي لقناة السويس، كما سيؤدي خضوع مصر لترامب إلى ضرب الثقة الدولية في إدارة مصر للقناة كمرفق دولي محايد، وسيضعف السيادة الاقتصادية المصرية، وسيحوّل الممر البحريّ إلى أداة تفاوض سياسيّة دوليّة.
لا فضل اميركي في بناء قناة السويس
وفق موقع الجزيرة نت فانه لا فضل للولايات المتحدة في تأسيس قناة السويس، كما يدعي ترامب. ففكرة ربط البحرَين؛ الأحمر، والمتوسط، تعود جذورها إلى عهد المصريين القدماء، إذ تشير بعض الروايات -التي نقلها المؤرخ الإغريقي هيرودوت وآخرون- إلى أن الفرعون سنوسرت الثالث من الأسرة الثانية عشرة (القرن التاسع عشر قبل الميلاد)، قد شرع في شق ممر مائي يربط نهر النيل بخليج السويس، فيما عرف لاحقًا بـ”قناة سيزوستريس”، وشهدت هذه الفكرة تجديدًا عبر العصور، إذ عمل الملك نكاو الثاني، ثم الفرس بقيادة داريوس الأول على إصلاح هذا الممرّ، كما أُكملت تطوراته في العصر البطلمي.
أمّا قناة السويس الحديثة، فقد أعيد إحياء مشروعها في عهد والي مصر سعيد باشا منتصف القرن التاسع عشر، بجهود قادها المهندس الفرنسي فرديناند ديليسبس. شاركت الولايات المتحدة حينها إلى جانب دول أخرى في تمويل الامتياز الممنوح لشركة القناة، لكنها انسحبت لاحقًا بعد أن اعتبرت المشروع غير مجدٍ اقتصاديًا، وهو ما أدّى بمصر إلى الاستدانة لاستكمال الحفر.
وبينما كان نحو مليون مصري، يشاركون في حفر القناة الأهم في العالم، كانت الولايات المتحدة غارقة في صراعات داخلية، بما في ذلك الحرب الأهلية التي قسمت البلاد، بالإضافة إلى الصراعات الدامية مع السكان الأصليين، الهنود الحمر حسب موقع سكاي نيوز
وافتتحت في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 1869، وتعتبر قناة صناعية تخترق أرض دولة واحدة، مما يجعلها خاضعة لتشريعات مصرية داخلية، فضلًا عن إطارها الدولي.
ازدواجية معايير اميركية
تفرض الولايات المتحدة رسوما على السفن التي تمر عبر الممرات المائية الداخلية الأمريكية مثل نظام القنوات البحرية في البحيرات العظمى وغيرها، وهو ما يخلق بالتاكيد التناقض بين ما تطالب به الولايات المتحدة لنفسها وما تطبقه على الآخرين حيث يمثل ازدواجية معايير واضحة ومرفوضة في العلاقات الدولية، ويتعارض مع مبدأ المعاملة بالمثل الذي يعد أحد الركائز الأساسية للقانون الدولي.
قوانين مصرية
أكدت المادة الثامنة من القرار الجمهوري رقم 30 لسنة 1975، أن هيئة قناة السويس هي الجهة المختصة بفرض رسوم العبور.
“لا يجوز للهيئة أن تمنح أية سفينة أو أي شخص طبيعي أو اعتباري أية فوائد أو ميزات لا تمنح لغيرها من السفن أو الأشخاص الطبيعيين أو الاعتباريين في نفس الأحوال”. وهذه المادة بالتحديد تمنع السلطات المصرية من تقديم أي امتياز خاص للولايات المتحدة، أو غيرها، ضمانًا لالتزام الحياد وعدم الإخلال بالقانون الدولي.
رمز السيادة المصرية
وفق محللون فان دونالد ترامب يتحدى القواعد الدولية ويتجاهل الاتفاقيات ولا يتعامل كرئيس، بل كتاجر او مقاول ، وان اعتبرنا حديثه يدخل في اطار السياسة، فانها تعكس السياسة الاستعمارية والاحتلال غير المباشر، والسيطرة التي تمارسها اميركا ضد دول العالم الجنوبي، ومحاولة استغلال الدول العربية على وجه الخصوص للضغط عليها على الاقل وابتزازها لدفعها للتنازل عن الحق الفلسطيني واستقبال ابناء غزة كلاجئين وتوطينهن في اراضيها
مصر تفلت من الضغوط
تعمل اميركا لبسط سيطرتها الاستعمارية من خلال الضغط بورقة المساعدات لكن تراجع الدعم الأميركي عن مصر لا يعني مأزقًا خانقًا؛ فمصر أثبتت قدرتها على تنويع مصادر تسليحها، والتعاون مع الصين، وكوريا الجنوبية، وروسيا، وفرنسا، وغيرها.