في وقت تتصاعد فيه الهجمة الشرسة على الشعب الفلسطيني من كل الاتجاهات، نجد أنفسنا أمام مرحلة خطيرة، تتكالب فيها قوى الاحتلال وأدواته الإقليمية والدولية للإمعان في فرض حصار مالي خانق، لا يهدف فقط إلى تجويع الفلسطينيين، بل إلى كسر إرادتهم، وتطويع قيادتهم، وفرض الهيمنة السياسية والفكرية عليهم.
قرصنة الأموال الفلسطينية، وسرقة مستحقات الموظفين والعائلات الفلسطينية، لم تعد مجرد إجراءات مالية، بل تحولت إلى أدوات سياسية للضغط والابتزاز، فالاحتلال الإسرائيلي لا يكتفي بالعدوان العسكري والاستيطاني، بل يشن حربًا اقتصادية ممنهجة تستهدف كل بيت فلسطيني، من خلال قطع الرواتب، وإغلاق المعابر، ومحاصرة الاقتصاد الوطني، ومن خلال سرقة عائدات الضرائب الفلسطينية، لإيصال السلطة الفلسطينية إلى مرحلة العجز عن قيامها بدورها تجاه شعبها .
الأدهى من ذلك، هو تواطؤ بعض الأنظمة العربية التي تخشى غضب واشنطن، فتشارك بصمتها أو بإجراءاتها في خنق الفلسطينيين، متخلية عن التزاماتها القومية والدينية وكذلك التزاماتها المالية التي قطعتها على نفسها تجاه شعب يواجه أعتى قوة احتلال في العصر الحديث.
وفي هذا الإطار، جاء قرار إلغاء تأشيرة الوفد الفلسطيني للجمعية العامة للأمم المتحدة وفي مقدمته الرئيس الفلسطيني محمود عباس لمنعه من حضور هذه الاجتماعات في نيويورك، ليعكس مدى الإصرار على إسكات الصوت الفلسطيني في المحافل الدولية.
لذا فإن منع الرئيس من إيصال صوت شعبه إلى العالم، ليس فقط انتهاكًا للأعراف الدبلوماسية، بل خطوة إضافية تهدف إلى تغييب السردية الفلسطينية، وتمرير الرواية الإسرائيلية وحدها.
لكن رغم كل هذه الضغوطات، ورغم قلة الرواتب وتأزم الوضع المعيشي، فإن الشعب الفلسطيني لم ولن يركع، فهذه المحاولات البائسة لإخضاعه لم تنجح سابقًا، ولن تنجح اليوم، لأن الفلسطينيين يدركون جيدًا أن معركتهم ليست فقط مع الاحتلال، بل مع منظومة عالمية تسعى إلى تصفية حقوقهم، عبر أدوات اقتصادية وسياسية وإعلامية.
لن نغير مناهجنا التعليمية لترضي المحتل أو تُعجب الممولين، مناهجنا ستبقى تعكس نضالنا، تاريخنا، وقضيتنا العادلة، ولن نقبل بأن يُصوَّر كفاحنا ضد الاحتلال على أنه إرهاب، فالعالم كله يعرف من هو المعتدي، ومن هو الضحية.
لن نتخلى عن عائلات الشهداء والأسرى، مهما اشتدت الظروف، لأن الوفاء لمن قدّموا أرواحهم من أجل الوطن ليس خيارًا، بل واجبًا وطنيًا وأخلاقيًا.
إننا اليوم أمام اختبار حقيقي، اختبار للكرامة والصمود والثبات، ورغم الألم، ورغم الخنق المالي، فإننا نُدرك أن النصر لا يُهدى، بل يُنتزع، وأن الحرية تُصنع بالدم والتضحيات، لا بالمجاملات .
الحصار المالي، وقرصنة الأموال، ومحاولات إسكات الصوت الفلسطيني، لن تثمر إلا مزيدًا من الصمود والوحدة والتحدي، وسنواصل نضالنا، وسنُفشل كل محاولات فرض الهيمنة، حتى تحقيق الحرية والاستقلال، مهما طال الزمن، ومهما اشتدت الضغوط.
كاتب وسياسي فلسطيني