السياسي – ما إن بدأت الفضيحة الأمنية الجديدة الخاصة بمكتب رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، حتى بدأت ما توصف بـ”آلة السم الهائلة” التي يحوزها بإلقاء اللوم على أكتاف أخرى: المحامين، والمحكمة العليا، والجيش والشاباك.. دون أن يتحلى لمرة واحدة بتحمّل المسؤولية عن أي إخفاق يحيط به من قريب أو بعيد، ما يعيد إلى الأذهان ما حصل يوم الثامن من أكتوبر 2023، بعد 30 ساعة من بدء هجوم حماس على مستوطنات غلاف غزة، حين عقد اجتماعا مرتجلا حضره معظم مستشاريه، وهو ينظر في وجوههم يحاول تحميل أي منهم مسؤولية الإخفاق الأخطر في تاريخ الاحتلال.
بن كاسبيت الكاتب في موقع “واللا” العبري، ذكر أنه “بينما تتزايد المؤشرات على انهيار نظام الدولة بعد مرور أكثر من عام على تلك الكارثة، وعدم توفر أحد يلجأ إليه الإسرائيليون وسط الفوضى التي تحيط بهم، فإنهم ما زالوا ينظرون إلى نتنياهو وحكومته بأنهم يشكلون عبئا ثقيلا على الدولة، لأنه لا شيء في محيطه يبعث على التفاؤل، صحيح أن الجميع باتوا يستعدون لاحتمال تشكيل لجنة تحقيق في ما حصل، وبدأوا بجمع المواد ذات الصلة، وإعداد جميع الملفات، لكن نتنياهو في قرارة نفسه يستعد لقلب الوعاء رأسًا على عقب”.
وأشار في مقال أن “نتنياهو لا يخفي نواياه العدوانية تجاه أي لجنة تحقيق في ما حصل من إخفاق غير مسبوق، مُبدياً توجهاً علنياً لتحميل المسؤولية للجيش والشاباك والأمن، وفي الوقت نفسه، بدأ حملته الوحشية لنزع الشرعية عن “لجنة تحقيق الدولة”، بزعم أنها مؤسسة فاسدة وخائنة تدعم “الإرهاب”، ومن جهة ثالثة تكليف موظفيه بالبحث عن أي مادة من شأنها تحميل معارضيه السياسيين جزءًا من المسؤولية عن فشل أكتوبر، وصولا إلى انتهاج “نظرية المؤامرة”، وكل ذلك في سبيل تبرئة ساحته من أي مسؤولية”.
واعترف الكاتب بالقول إننا أمام “نتنياهو الذي يتمتع بقدرات مذهلة حقًا، وقدرات مجربة وغير عادية، لكن المشكلة أن جميعها دائماً مرتبطة ببقائه الشخصي، أما الدولة فهي مجرد ملحق هامشي في ملف عائلي سميك، وبما أنه يعتقد “أنه هو الدولة، والدولة هي هو”، ومن دونه سوف تضيع، فإن ذلك يعني أنه إذا نجا من أي محاكمة، فإن الدولة ستشعر بالازدهار، والعكس صحيح، فإذا هُزم وخسر وعُزل، ضاعت الدولة، مع أن الحقيقة أن نتنياهو ليس معنياً ببقاء الدولة، بل ببقائه هو، ولهذا السبب انتهى بنا الأمر حيث انتهينا اليوم”.
وأكد أن “نتنياهو بفضل هذه الاستراتيجية الذاتية زادت فرص بقائه على قيد الحياة بشكل كبير، فقد نجح بقلب الوعاء رأساً على عقب أمام الجيش والموساد والشاباك، بسبب تحريضه المستمر ضدهم، بجانب التنمّر الذي لا نهاية له على وزير الحرب يوآف غالانت، وتسريبات الثرثرة ضده، ومحاولات تسخير كل همس يمكن سماعه في الفضاء ضده، مع أن من ينظر للجبهة الداخلية الإسرائيلية يدرك حجم الكارثة، فالانقسامات تتعاظم، والكراهية تستمر، والغضب بين المعسكرات يتزايد، وبوادر الانقلاب القانوني بدأت تعود، من خلال اعتماد “البلطجية الخارجين عن القانون” على قوة الشرطة التي يقودها ما يسمى وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير”.
وأشار إلى أن “كل ذلك يمارسه نتنياهو فيما تقترب خسائر جيش الاحتلال من ألف قتيل، وعدة آلاف من الجرحى، وبسرعة مثيرة للقلق خسر فرقة قتالية، والجنود النظاميون مرهقون، وجيش الاحتياط ممزق، وتم تدمير العائلات، وإغلاق الشركات، وتأجيل الآمال، والمزيد المزيد من الإسرائيليين يفكرون ويعملون بالفعل على مغادرة الدولة، فيما لا يخفي نتنياهو أنه سعيد فعلاً بما حققه، من خلال عثوره بين حين وآخر على أي أحد لإلقاء اللوم عليه، مع أنه في شهادته أمام لجنة فينوغراد للتحقيق في هزيمة حرب لبنان الثانية 2006، زعم فيها أن رئيس الوزراء إيهود أولمرت وحده المسؤول عن الدولة، فيما يبذل اليوم كل جهد لمنع تشكيل لجنة تحقيق رسمية”.
وختم بالقول إن “نتنياهو يمارس ما يمكن وصفها بـ”هلوسة مجنونة” للمحافظة على بقائه، وشيئاً فشيئاً، بدأ بتحويل اللوم من كتفه إلى أكتاف آخرين في الجيش والمخابرات، واختراع “نظريات المؤامرة” التي بدأت تطير في عالم المدونات، بصورة أثارت الضحك والسخرية”.
وأكد أن “محاضر الاجتماعات صباح السابع من أكتوبر تثبت أن نتنياهو رفض طلب قائد المنطقة الجنوبية بتنفيذ “إجراء هانيبال” لحرمان حماس من اختطاف المستوطنين والجنود، وامتنع عن إعلان الحرب، وأهدر وقتا ثمينا، وقيّد أيدي الجيش بشكل ولم يسمح له بمحاربة حماس، وكأن لسان حاله يقول “اتركوهم”، واليوم يحاول تحميل رئيس الأركان هيرتسي هاليفي المسؤولية عن ذلك”.