مازالت جمهورية إيران تعيش حالة من التخبط والارباك سياسيا وامنيا وعسكريا في اعقاب اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس. رغم قيام أجهزتها الأمنية باعتقال ما يزيد على 20 رجل أمن بمن فيهم ضباط كبار، ويقال، أن خامئني مهتم شخصيا بالكشف عن خيوط الاختراق الأمني، الذي أودى بحياة حليفهم الفلسطيني الأبرز، مما أدخل قادة الحرس الثوري وغيره من الأجهزة الأمنية والنظام عموما في حرج شديد نتاج إفلاس وتواطؤ تلك الأجهزة في ارتكاب جريمة استهداف رجل حماس الأول. حتى انه يقال ان بعض ضباط الحرس الثوري شاركوا في جريمة الاغتيال لعدم رضاهم على الدكتور مسعود بزشكيان في تولي الرئاسة، وشاؤوا ان يقطعوا الطريق على توجهاته الإصلاحية مع الولايات المتحدة والغرب الرأسمالي، وبعض التقارير تشير الى ان ما حصل بمثابة تصفية حساب بين الأجهزة الأمنية الإيرانية ذاتها.
وأي كانت خلفيات وأساليب عملية الاغتيال الإسرائيلية الأميركية الجبانة والرخيصة للقائد أبو العبد هنية فجر يوم الأربعاء 31 تموز / يوليو الماضي، فإن ما اسعى اليه، وأحاول اقتفاء أثره، وتسليط الضوء عليه، هو مؤشرات توسيع نطاق الحرب الإقليمية من عدمها. لا سيما وان الزعيم الإيراني، علي خامئني وغيره من المسؤولين اعلنوا مرارا وتكرارا، انهم ليسوا بوارد توسيع دائرة الحرب، ولا يريدون هذا الخيار. ولكن إذا ما حشروا في حال قيام إسرائيل بانتهاك خطوطهم الحمر، واستقوت عليهم مجددا في عقر دارهم، ووضعوهم في الزاوية الاجبارية، فإنهم سيردون، إن اعيتهم الحيلة في قطع الطريق على إسرائيل، وبعد ان يستعينوا بالوسطاء جميعا من دول الإقليم والعالم، فإنهم عندئذ سيضطرون للرد.
ووفق ما أعتقد، ومن التجربة التاريخية والعقود الماضية لنظام طهران بمختلف مكوناته من الإصلاحيين او المتشددين، فإنهم لم يفكروا يوما في فتح الحرب مع إسرائيل، او سادتها في واشنطن، رغم ان الالة الإعلامية الإيرانية تشن حملات تحريضية واسعة ضد كلا البلدين، وتطلق عليهم ابشع الصفات من “الشيطان الأكبر” الى “دولة الشر والإرهاب” وغيرها من التشنيعات. مع ذلك لم تفكر دولة الملالي يوما باستعداء إسرائيل او الولايات المتحدة، وكل ما يجري من حملات تحريض متبادلة بينهم لا تعدو أكثر من حملات تضليل للعرب وما يسمى ب”محور المقاومة”. لان العدو الأساس لإيران هم العرب أولا وثانيا وعاشرا، وبعد ذلك تكون تركيا وغيرها من دول الإقليم الشرق اوسطي الكبير.
وخلفيات ذلك تكمن في، أولا العداء التاريخي للعرب منذ بروز الدعوة الإسلامية وحتى اليوم؛ ثانيا منذ تسلم الخميني مقاليد الحكم عام 1979، وهو يضع نصب عينيه، وعيون النظام الفارسي فرض الوصاية على العرب، وأعلن بالفم الملآن، انه يسعى لتصدير الثورة “الإسلامية”، وهو يقصد القومية الفارسية للدول العربية ودول الإقليم بالثوب الطائفي “الشيعي” الإسلامي؛ ثالثا ولهذا أعلن الحرب على العراق في ثمانينات القرن العشرين، ونقض المعاهدات المبرمة بين البلدين. كما ان ايران احتلت الجزر الإماراتية العربية الثلاث: طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى ويسعى لتوسيع نفوذه الى الدول العربية، ومد شباكه على الوطن العربي في ظل تراجع وانكفاء حركة التحرر الوطني والقومي على العديد من الدول العربية، مستغلا ضعفهم، وتآكلهم، وحروبهم البينية تنفيذا لمخططات العدو الصهيو أميركي؛ رابعا استغل شعار فارغ وغوغائي “مقاومة العدو الصهيوني” و”تحرير القدس”، وأطلق اسم القدس على أحد فرقه العسكرية، واستقطب العديد من القوى الفلسطينية والعربية تحت يافطة الشعارات الديماغوجية، ووسع من نفوذه في جبهات لبنان وسوريا واليمن والعراق وفلسطين، ومازال يعمل على توسيع نفوذه في الدول العربية المختلفة من المحيط الى الخليج؛ خامسا دور ايران المفضوح تاريخيا في احتلال دولة الاحواز العربية منذ 1925، واشتراكه المباشر وغير المباشر مع الحلف الثلاثيني بقيادة الولايات المتحدة وبريطانيا في الحرب على العراق 2003؛ سادسا قامت إسرائيل ومن ورائها اميركا بسلسلة اغتيالات واسعة لعلمائه آباء مشروعه النووي وقياداته العسكرية منذ عام 2010 و2011 و2013 و2020، وتم اختطاف ارشيفه النووي والقومي من قبل إسرائيل، وعندما رد على قصف قنصليته في دمشق العاصمة السورية هذا العام 2024، جاء الرد في 13 نيسان / ابريل الماضي مسرحية مكشوفة.
واستنادا الى ذلك، لا يمكن الافتراض ان النظام الإيراني معنيا بتوسيع دوامة الحرب. وقصة الانتهاكات ال4 لسيادة أراضي الدولة الإيرانية، والمس بالأمن القومي، والتطاول على هيبة ومكانة النظام، والدوس على شرف النظام باغتيال إسماعيل هنيه على ارضه، من وجهة نظري، رغم التهديدات المتوالية لإسرائيل، الا ان النظام الفارسي لن يذهب بعيدا في رده. نعم سيرد على إسرائيل، ولكن رده سيكون وفق سيناريو متفق عليه مع إسرائيل والإدارة الأميركية. وحتى رد حزب الله اللبناني لن يخرج عن سقف سادته في طهران. وبالتالي لا اذهب بعيدا في تقدير ردود الفعل الإيرانية، وستبقى في نطاق السيطرة وقواعد الاشتباك المقبولة، حتى وان توسعت قليلا لذر الرماد في العيون الشعبية والفلسطينية والعربية. وآمل ان أكون مخطئا في قراءتي لرد الفعل الإيراني وأذرع ما يسمى محور المقاومة في الساحات المختلفة. وان غدٍ لناظره قريب.