لم يكد حبر مقالة الثلاثاء يجفّ حتى هاتفني مُحدّثي ليُخبرني، وقد دخل في نوبة نشيجٍ مرّ، بوفاة شقيقته جوعانة، حيث كانت ترقد في أحد مستشفيات مدينة غزة، وسط نقصٍ حادّ في الدواء والغذاء.
مثل تلك الفقيدة الغالية، ثمة المئات من المرضى الذين ينتظرون في طوابير الموت جوعاً، في مستشفيات تقف على شفا الانهيار، بينما تشير التقارير الأممية إلى أن قطاع غزة يتعرض لعملية محوٍ وإبادةٍ شاملةٍ بلا هوادة، على مدار الساعة، تُزهَق فيها حيوات الأطفال والشيوخ والأُمهات والآباء، تارةً دهساً بـ”عربات جدعون”، وطوراً برصاص “غزة اللاإنسانية” التي تتصيد المجوّعين في فخاخها المنصوبة. كما كشفت تقارير صحفية عن تعمّد أفراد تلك المؤسسة ارتكاب جرائمهم بحق المجوّعين، وكأنهم أهدافٌ في ساحةٍ للرماية.
مَن لم يمت بالجوع أو الرصاص، مات بنقص السكر (بلغ سعر الكيلو الواحد منه ٣٥٠ شيكلاً) الذي يحتاجه المرضى في الخيام ممن يُغمى عليهم، فقبل أيامٍ تُوفيت امرأةٌ عجوزٌ في إحدى الخيام، إثر تعرضها لنوبة حرق السكر في الدم، ولم يفلح أبناؤها وأحفادها في إنقاذها، بعد أن طفقوا يبحثون عن ملعقة سكرٍ بين النازحين، فلم يجدوها قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة.
قصص الموت اليومي تُدمي القلوب، والأكثر منها فجيعةً تبلد المشاعر، وإشاحة الضمائر عيونها عن العداد اليومي للشهداء والجرحى، الذين يُقتلون في الخيام، وتحت الركام، وأمام تكايا الطعام.
أوقِفوا المقتلة الآن… فغزة تموت جوعاً !