مارسيل خليفة في مهرجان صيدا “انتصاراً على الموت” في غزة ولبنان

السياسي –

تخلّى الموسيقي اللبناني مارسيل خليفة، في الحفلة التي أحياها مساء السبت في مدينة صيدا الجنوبية، وأرادها “انتصارًا على الموت”، عن الوشاح الأزرق الذي كان يطلّ به خلال السنوات الأخيرة، وارتدى مع فرقته ثيابًا سوداء، موجّهًا ببرنامجه تحيات إلى “أهل غزة” وضحايا انفجار مرفأ بيروت.

وبـ “نشيد الموتى”، استهلّ خليفة حفلته التي اختتم بها مهرجانات صيدا، على مسرح أُقيم قرب القلعة الأثرية البحرية للمدينة، بحضور نحو 2200 شخص من مختلف الأعمار.

ومن بين الحاضرين نحو 20 شخصًا قدموا خصيصًا من غزة، فقد بعضهم أطرافهم أو باتوا مقعدين نتيجة إصابات تعرضوا لها خلال الحرب التي تخوضها إسرائيل منذ نحو سنتين في القطاع الفلسطيني، ردًا على هجوم غير مسبوق شنّته حركة “حماس” في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023.

وتأتي حفلة خليفة، الذي ارتبط قسم كبير من أعماله بفلسطين واستندت إلى قصائد شعرائها وفي مقدمتهم محمود درويش، في ظل إعلان إسرائيل نيتها احتلال القطاع بأكمله.

كما اكتسبت حفلة خليفة في صيدا، كبرى مدن جنوب لبنان، دلالة رمزية، إذ جاءت بعد حرب بين إسرائيل و”حزب الله” استمرت من أيلول/سبتمبر إلى تشرين الثاني/نوفمبر 2024، كان الجنوب مسرحًا رئيسيًا لها، عقب عام من المواجهات الحدودية بين الطرفين.

وقال خليفة: “الأغنية والموسيقى وسط هذا المشهد المرعب من الدمار والأنقاض والركام، وبعد عشرات آلاف الشهداء والجرحى واللاجئين، هما الخلاص (…) رغم الموت والحرب والوحشية والإبادة الروحية والجسدية” في غزة ولبنان.

ورأى أن “كل نوتة وكل أغنية وكل قصيدة هي اليوم شمس كبيرة تعيد إلينا الحب والكرامة والحرية، تعيدنا إلى الحياة، تنقذنا، وهي انتصار على الموت”، وتُظهر أن “ثمة أملًا بعد في هذا الزمن الإجراميّ”.

وقال خليفة: “هذه الحفلة تحية لصيدا وأهلها في هذا الظرف الصعب (…) واخترنا المكان الذي نقدم فيه ما يحتاج إليه الناس، قليل من الأمل ولو كان الأمل مستحيلاً”.

وفي ضوء قمر مكتمل، وعلى وقع هدير أمواج البحر التي أحاطت بالمسرح، رافقت فرقة موسيقية ضمت 11 عازفًا وجوقة من ثمانية منشدين خليفة في أداء “نشيد الموتى”، قبل أن يقدّم “في البال أغنية” للشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش.

ووجّه خليفة “تحية من القلب” إلى درويش الذي توفي في اليوم نفسه قبل 17 عامًا، في 9 آب/أغسطس 2008، وقد استندت أغنيات عدة لخليفة إلى قصائده، منها “ريتا والبندقية” التي كانت ضمن برنامج الحفلة، وسبق الجمهور خليفة إلى ترديدها ورافقه خلالها.

وعلى أوتار عوده، واكب خليفة نجله رامي في عزفه على البيانو بأسلوبه الديناميكي مقطوعة قال الفنان الأب إنها “تحية لفنان كبير” هو زياد الرحباني، الذي توفي في 26 تموز/يوليو الماضي عن 69 عامًا.

 

صيادو صيدا
ثم توالت الأغنيات: “بغيبتك نزل الشتي”، و”سجر البن”، و”ركوة عرب” للشاعر اللبناني طلال حيدر، وموشح “يا نسيم الريح” لجلال الدين الرومي عن الحب والتصوف.

وعزف نديم روحانا على الأكورديون مقطوعة ألّفها مارسيل خليفة بعنوان “تانغو تشي غيفارا”، الثوري الكوبي الماركسي الأرجنتيني المولد.

وفي تحية “إلى الشهداء الذين سقطوا في انفجار مرفأ بيروت” في 4 آب/أغسطس 2020، عزف رامي خليفة مقطوعة من تأليفه، بدت أشبه بلوحة متعددة المشاهد والأبعاد، في الذكرى الخامسة لهذه الكارثة التي أودت بحياة أكثر من 220 شخصًا، وأدت لإصابة الآلاف، ودمّرت أجزاء من العاصمة.

وإلى “أهل غزة”، وجّه خليفة تحية أخرى، من خلال أغنيته الشهيرة “منتصب القامة أمشي” التي أنشدها الجمهور بأكملها قبل أن يفعل الفنان، وكرر “إني اخترتك يا وطني” نزولًا عند طلب الجمهور الذي شاركه غناءها في المرة الأولى.

وبلغت حماسة الحاضرين ذروتها عندما اقتربت مراكب صيادي السمك الصيداويين من المسرح رافعة الأعلام اللبنانية، على وقع “يا بحريّة هيلا هيلا” التي غناها مارسيل للمرة الأولى في صيدا خلال سبعينات القرن العشرين.

وذكّر خليفة بأن هذه الأغنية هي “للصيادين ولمعروف القلعة”، اللقب الذي كان يُطلق على السياسي الصيداوي المؤيد للقومية العربية معروف سعد، الذي توفي في 6 آذار/مارس 1975 متأثرًا بجروح أصيب بها أثناء مشاركته في تظاهرة لصيادي السمك، وقد شكّلت وفاته إحدى الشرارات التي أدت إلى اندلاع الحرب اللبنانية في 13 نيسان/أبريل من العام نفسه.

وتكمن أهمية حفلة خليفة في صيدا أيضًا في ارتباط “عاصمة الجنوب” اللبناني ببداياته الفنية. وقال في هذا الصدد: “صيدا هي أرض أغنيتي. أنا أعود إليها اليوم، وأعود مثل البحار العتيق إلى مينائها”.

وذكّر بأنه غنّى في صيدا للمرة الأولى “وعود من العاصفة”، وهي قصيدة لمحمود درويش شكّلت عنوان ألبومه الأول عام 1976.

أ ف ب