السياسي –
حقق الفيلم الجديد المقتبس من لعبة الفيديو الشهيرة “ماينكرافت” نجاحاً مذهلاً في شباك التذاكر الأمريكي، ليصبح الأعلى إيرادات في الولايات المتحدة لعام 2025، ورابع أعلى فيلم إيرادات عالمياً.
للوهلة الأولى، تبدو المقارنة بين دراما “أوبنهايمر” الفلسفية التي تسرد قصة “أبو القنبلة الذرية”، وبين صخب “فيلم ماينكرافت” الذي يغني فيه جاك بلاك عن “دجاجة الحمم”، ضرباً من العبث. لكن لغة الأرقام والتأثير الثقافي تروي قصة أخرى، فكلا الفيلمين لم يكتفِ بكسر حاجز المليار دولار عالمياً، بل أصبحا “ترمومتراً” لقياس تحولات الصناعة.

بينما تربّع “أوبنهايمر” على عرش إيرادات 2023، يكتسح “ماينكرافت” اليوم شباك التذاكر الأمريكي لعام 2025 محتلاً المركز الرابع عالمياً. إلا أن الرابط الحقيقي يتجاوز الدولارات، فالفيلمان يجسدان “التحول الكبير” في سلوك المشاهد ما بعد جائحة كوفيد-19، حيث تحولت السينما من “مشاهدة صامتة” إلى “تجربة جماعية تفاعلية”. إن نجاح “ماينكرافت” ليس مجرد انتصار للعبة فيديو، بل هو إعلان رسمي عن ولادة جيل جديد من المشاهدين يعيد تعريف طقوس العرض السينمائي.

نجاح رغم الانتقادات
لم يكن اختيار لعبة ماينكرافت لتحويلها إلى فيلم سينمائي أمراً بديهياً، فهي عالم من المكعبات البكسلية البسيطة، ويمثل إسنادها للمخرج غاريد هيس، المعروف بأفلام كوميدية غريبة مثل نابليون ديناميت، خطوة مخاطرة في نظر النقاد. وحقّق الفيلم تقييماً 48% على موقع روتن توميتوز، واعتبره البعض “فيلماً فجاً ومزيجاً رديئاً من الدعاية التجارية”.
للجمهور رأي آخر
لكن الجمهور كان له رأي آخر: في عطلة نهاية الأسبوع الافتتاحية، غصت دور السينما بالأطفال والكبار، الذين تفاعلوا بحماس مع كل ميم أو عبارة مألوفة من اللعبة، ما جعل الفيلم تجربة جماعية مليئة بالضحك والفوضى المرحة.

“فوضى راكب الدجاج” تجذب الجماهير
اللحظة التي جنّدت فيها شخصية طفل الزومبي الأخضر دجاجة على الشاشة، وأطلقت عبارة “يا راكب الدجاجة”، أشعلت حماسة الحضور، حتى أن بعض المعجبين أحضروا دجاجاتهم الحية إلى العروض في يوتا، ما استدعى تدخل الشرطة في بعض الحالات.

وأشار الممثل الكوميدي البريطاني سام أفيري لهيئة الإذاعة البريطانية بي بي سي إلى أن مشاهدة الفيلم مع أبنائه كانت “بصراحة أمتع تجربة سينمائية مررت بها على الإطلاق”. أما المخرج غاريد هيس، فقال لمجلة إنترتينمنت ويكلي: “لقد كان الأمر ممتعاً للغاية.. الناس يصنعون ذكريات مع أصدقائهم وعائلاتهم، وهذا كل ما يهمني”.
فيلم مصمم لعصر وسائل التواصل
يُعد التفاعل الجماهيري، بما في ذلك تصوير الفيديوهات ونشرها على تيك توك ومواقع التواصل الاجتماعي، جزءاً لا يتجزأ من تجربة الفيلم. وهو ما منحه دعاية مجانية هائلة، حتى أن بعض النقاد وصفوا الفوضى في العروض بأنها تتجاوز الحد، فيما استمتع جمهور واسع بالفيلم بطريقة لم تعد تقتصر على الجلوس الصامت في القاعة.
التحول في تفضيلات الجمهور
نجاح “ماينكرافت” يعكس توجه هوليوود المتزايد نحو تحويل ألعاب الفيديو إلى أفلام سينمائية، بعد أن تراجع تأثير أفلام الأبطال الخارقين مقارنة بعقود سابقة. ويأتي ذلك بالتوازي مع نجاح أفلام مثل سونيك القنفذ 3 وسوبر ماريو بروس موفي، فضلاً عن شعبية مسلسلات مثل ذا لاست أوف أس وفول آوت.
في النهاية، يثبت فيلم ماينكرافت أن السينما بعد جائحة كوفيد لم تعد مجرد شاشة لمشاهدة قصة، بل تجربة تفاعلية جماعية، حيث يمكن للجمهور المشاركة، الضحك، التصفيق، بل حتى رمي الفشار، ليصبح الفيلم أكثر من مجرد فيلم، بل حدثاً ثقافياً حقيقياً.






