أسهل طرق التعامل مع الولايات المتحدة، على طريقة الرفضويين. هي أن نعتبرها عدوا وننام مرتاحي البال، وعندما نصحو في الصباح نكتشف أن الولايات المتحدة هي المتحكمة بقرار الشرق الأوسط، وتحديدا كل ما يتعلق بإسرائيل والصراع العربي والفلسطيني الإسرائيلي، ونبقى ندور في الحلقة السلبية الى ابد الابدين. ولا يختلف اثنان في تشخيص العلاقة الخاصة جدا جدا بين الولايات المتحدة وإسرائيل. ولا حول تأثير اللوبي الصهيوني على الطبقة السياسية الاميركية. وقرار واشنطن خصوصا بما يتعلق بالشرق الاوسط، فهذا اللوبي جذوره الممتدة في السياسية الاميركية لأكثر من مئة عام متمكن ويعرف كيف يستغل كل الثغرات لصالحه، وزيارة نتنياهو كشفت كل ما أشير إليه.
مع واشنطن لا بد من سلوك الطرق الصعبة والمتعرجة. وان ندرك ان أقوى دولة في العالم تبحث عن مصالحها، والعلاقة معها علاقة مصالح، كما ان التأثير في الطبقة السياسية في واشنطن، يحتاج الى عمل دؤوب متواصل على الارض. وبناء علاقات يومية، وتحالفات مع تيارات سياسية. ولكن الاهم ان العلاقة تحتاج وجود قوى ذات تأثير قي واشنطن تقف الى جانبنا. ولكي لا نتحدث وكأننا سنبدأ بذلك من الصفر، فإن هناك أساسًا موجودًا اليوم يمكن ان ننطلق منه للعمل ان اردنا، وهناك فئات واطراف سياسية اليوم تتعاطف أكثر مع الشعب الفلسطيني ومتفهمة اكثر للقضية الفلسطينية ولدينا علاقات معها ويمكن التحرك والبناء فوق هذا الأساس اكثر فأكثر.
في العادة نمضي وقتا طويلا في متابعة الانتخابات الرئاسية الأميركية، ونحلل ونتابع كل التفاصيل. املا في ان يأتي رئيس اقل ضررا، وأقل كراهية للشعب الفلسطيني، المتابعة ليست شيئا سلبيا. وأعتقد أن العالم اجمع يهتم في الانتخابات الأميركية لما لهذا البلد من تاثير في سياسة واقتصاد وأمن العالم. ونلاحظ قارة مثل أوروبا، وبالتحديد دول الاتحاد الأوروبي، تفضل على سبيل المثال عدم فوز ترامب وترغب بكامالا هاريس، التي وكما الادارات الديمقراطية تهتم غالبا في تمتين العلاق مع أوروبا.
باختصار مسألة طبيعية ان نتابع ونترقب، ولكن هذا وحده ليس كافيا، الاهم ماذا نريد نحن، وان كنا نعتقد انه يمكن العمل مع واشنطن، او ان العمل مع واشنطن ليس رغبات انما ضرورات يمليها الواقع، وإذا توصلنا لاستنتاج ان العمل ضرورة، وهو كذلك بالتأكيد، علينا ان نحدد مسبقا ماذا نريد ليس فقط من ترامب ان فاز او كامالا ان فازت، ولكن ما نريد بالأساس من واشنطن، وان نمتلك علاقات متشعبة مع الجميع هناك عبر اذرع تعمل وكأنها متناقضة لكنها تخدم الاهداف الفلسطينية، وهو بالضبط ما يفعله اللوبي الصهيوني.
أما مسألة صنع السياسة مع الرؤساء الاميركيين هي مهمة القيادة السياسة الفلسطينية، بغض النظر ان كان الرئيس ديمقراطيا ام جمهوريا، محافظا او ليبراليا، صحيح ان الديمقراطيين يبدون أسهل للتعامل. ولكن وكما سبقت الإشارة طريق العمل مع واشنطن صعب ومعقد. ربما نحتاج ايضا إلى حلفاء عرب وغير عرب للعمل على الساحة الأميركية، وان نفهم آليات اتخاذ القرار ودور الدولة العميقة في اتخاذه، وليس فقط الرئيس وإدارته والكونغرس بغرفتيه النواب والشيوخ.
نعود الى السؤال ماذا نريد من ترامب وهاريس؟ ماذا نريد من الولايات المتحدة في السنوات القادمة؟ ما هي اولوياتنا؟ وكيف نجعلها تحت دائرة الضوء والاهتمام في واشنطن وغيرها؟
هل حددنا نحن ماذا نريد وكيف يمكن التعامل بذلك مع ترامب ان فاز او كاميلا ان فازت؟
ثم ما المطلوب كي نكون مقنعين اكثر وبالتالي لدينا قدرة فرض نوع من التبادل في العلاقات؟
بصراحة كما هو واقعنا اليوم لن يكون لدينا فرصة كبيرة للتاثير.
وبصراحة اكثر، فإن هناك مشاكل بنيوية ونحتاج الى إعادة تعريف بعض مسلماتنا التي تحولت إلى قيود تعيق تحركاتنا. وليس المقصود هنا ثوابتنا السياسية المنصوص عليها في مشروعنا الوطني الذي اقره المجلس الوطني في الجزائر عام 1988، وانما هناك حاجة لإعادة تعريف مصطلح الوحدة الوطنية والطرق المؤدية الى تحقيقها، وهل بالضرورة ان نتطابق بالمواقف لنتوحد، ام أن نتفق على خطوط عريضة، وعلى الثوابت والاهداف. من هذه الخطوط العريضة: اولا: ان وحدة الاقليم للدولة الفلسطينية هو امر لا يمكن التساهل به. وبالتالي ممنوع تحويل خلافاتنا السياسية الى انقسام وانفصال اقليمي وجغرافي.
ثاتيا: القرار السياسي الفلسطيني له مركز واحد، وليس من المسموح ان يكون للشعب الفلسطيني مركزان للقراروالقيادة، فهذه وصفة كارثية تدمر كل الحالة الوطنية.
ثالثا: التناوب على القيادة والسلطة يتم بأساليب سلمية ديمقراطية، وهو ما يتطلب إجراء الانتخابات بشكل دوري حسب القانون.
رابعا: يمكن لأي طرف ان يقيم علاقات او تحالفات، ولكن ألا نخضع القرار الوطني الفلسطيني لخدمة اي اجندة خارحية وانما فقط للمصالح الوطنية.
خامسا: منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وللجميع الحق بأن يتمثل بها. ولكن قراراتها تؤخذ على اساس تشاوري، وان يشمل التعبير التمثيلي في المجلس الوطني كافة الاطياف الوطنية الفلسطينية.
ما نريده من واشنطن،ان تعترف بوحدة الاراضي المحتلة الفلسطينية. وان تعلن موقفا واضحا من الاستيطان، ومنع إسرائيل من تنفيذ ممارسات من جانب واحد.
ما نريده من واشنطن عدم المس بالاونروا، وإعادة فتح قنصليتها في القدس الشرقية، التي سبق وجودها في القدس وجود دولة إسرائيل، وان تواصل دورها السياسي والقنصلي. ما نريده ان يعيد اي رئيس فتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، وان تدعم عملية إعمار قطاع غزة، او على الاقل ألا تضع عراقيل امامها، وان تكون اكثر نزاهة كوسيط. وان تمتلك إرادة تحقيق سلام حقيقيفي المنطقة يضمن امن ومصالح كافة الاطراف.