ما بعد اغتيال إسماعيل هنية

أيمن خالد

حالة من الغموض تسود المنطقة في أعقاب اغتيال مسؤول المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية في عقر دار الحليف أثناء وجوده كضيف في طهران، والردود الإيرانية المنتظرة على إسرائيل كجهة مفترضة وراء تنفيذ الاغتيال، علماً أن إسرائيل لم تتبنّ رسمياً الاغتيال، لكي تُسقط مبررات الرد الإيراني، بحيث يتحول هذا الرد إلى اعتداء من جانب إيران. بينما في الجانب الآخر ثمة زلزال سياسي، يعصف بكافة المليشيا الإيرانية لأن المكان الذي تم اغتيال هنية فيه طهران، أي هو “مصدر القرار والذي لم يعد سري للغاية”، وبالتالي فإن مسألة الاختراق الأمني مثيرة للقلق، لأن خزانة المعلومات في طهران مثقوبة، ما سيؤثر على كامل المحتوى الأمني وغيره لعموم هذه المليشيا.

أمام هذه المعادلة، قد يبدو الرد الإيراني هو عملية إشغال المليشيا بفكرة ومضمون الرد، بدلاً من انشغال هذه المليشيا بالأسئلة ذات الطابع الأمني والتي تنخر العقل السياسي في طهران، وبالتالي فإن ذهاب هذه المليشيات نحو الرد ليس بالضرورة أن يعالج مسألة الرد ذاتها بمقدار ما سيعالج مسألة التغطية على حادثة الاغتيال ذاتها، لكن الرد الإيراني أياً ما يكون فهو لن يعالج الملف الفلسطيني الذي يدخل متاهة جديدة، سوف يحد من وجود إيران في المشهد الفلسطيني، في المرحلة القادمة.

التحولات السياسية الفلسطينية بعد اغتيال إسماعيل هنية تتناول غزة أولاً، فالحديث عن الهدنة القادمة ومسألة غزة في اليوم التالي للحرب لم تعد كما كانت قبل عملية الاغتيال، لأن نتنياهو أصلاً لا يفكر بالرهائن الآن فقد أصبحت بيد نتنياهو أوراقاً إضافية بدأ يعيد خلطها، ما يعني أنه أمام الشارع الإسرائيلي حقق نجاحاً مهماً في ضرب حماس وحزب الله معاً، بعد اغتيال المسؤول العسكري لحزب الله والذي سبق اغتيال هنية بساعات فقط، وبالتالي تأتي معادلة نتنياهو التي طرحها في ديسمبر 2023 عندما قال إن أمام حماس الاستسلام أو الموت والتي أعاد طرحها وزير دفاعه غالانت بعد اغتيال هنية مباشرة، ما يعني بالضبط العودة إلى نقطة الصفر في المفاوضات من حيث الهدف الإسرائيلي البعيد ومن حيث التفاصيل، التي وإن أفضت إلى إطلاق الرهائن فإن النتيجة واحدة وهي أن إسرائيل أعادت طرح فكرة اليوم التالي للحرب أن تكون غزة بلا حماس.

إشكالية حركة حماس الثانية، أن استمرار الحرب مع خسارة العديد من القادة العسكريين المهمين، ووقوع القادة السياسيين في الخارج تحت خطر الاغتيالات، كلها تعيد الضغط على كتائب القسام في غزة، والتي باتت تتحمل عبء القرار منفردة، ما يعني أن عليها أن تتخلى عن فكرة الحضور في اليوم التالي بعد الحرب وهذا مكلف جداً للحركة، لأن هذا يعني أنها ستفقد مركز قوتها الأساسي وسوف تتحول بعده إلى حركة سياسية مجردة من عناصر القوة العسكرية، وهو أيضاً قرار صعب على كتائب القسام، التي لم يعد أمامها أفق طويل أمام تكاتف الضغوط الداخلية والخارجية من داخل الحركة عليها، ما يعني أن كيفية اليوم التالي للحرب في غزة هي ستكون حاضرة لا محالة في جولات المفاوضات القادمة.

الإشكال الثاني الذي تعانيه حركة حماس في الخارج ليس فقط في الجانب الأمني ولكن حول الدور السياسي للحركة، وتحديداً لبنان، فإذا كانت (الحرب الرسمية) قادمة بين حزب الله وإسرائيل، فهذا يعني أن لنهاية هذه الحرب الرسمية ثمة اتفاق سياسي، ومن المؤكد أن الاتفاق القادم سيحد من وجود حزب الله في جنوب لبنان، والأمر سينطبق على حركة حماس، والتي ستجد نفسها مجرد حركة سياسية في لبنان بشكل تلقائي، ما يعني أن نقطة القوة العسكرية التابعة لحماس سوف تبقى في الضفة فقط، وهو وجود سيسير تلقائياً نحو العمل السري، فمسألة خسارة غزة سوف تجعل الغموض هو ما يكتنف مستقبل حركة حماس وبالتالي دورها السياسي في الساحة الفلسطينية وحجم هذا الدور وتداعياته، فهل حركة حماس قادرة على ترميم ذاتها وكيف وأين؟ إذ لم تعد ثمة جغرافيا قوية ترتكز عليها تساهم في ترميم بنية الحركة السياسية والعسكرية.

على صعيد السلطة الفلسطينية، إذا ما وصل الانسداد إلى الأفق، ولم يعد بمقدور حركة حماس الاحتفاظ بغزة، وعدم وجود اتفاق سياسي بين حماس وإسرائيل يبقي حماس في غزة ما بعد الحرب، فما الذي ستفعله السلطة الفلسطينية في غزة، وهو بالنسبة للسلطة الفلسطينية أكبر تحدٍ، أمام الموقف الإسرائيلي الرافض لعودة السلطة بالكامل إلى غزة، بمعنى الرافض لتوحيد غزة والضفة، وهو ما سينعكس على علاقة السلطة الفلسطينية مع حركة حماس بكل تأكيد، لأن حماس ستكون بحاجة للسلطة الفلسطينية لكي تبقيها في المشهد السياسي، وبالتالي ما الذي ستقدمه حركة حماس للسلطة الفلسطينية من تنازلات لكي تبقى في هذا المشهد، إذا ما كانت منظمة التحرير هي الغطاء القادم، وهذا يعني بوضوح، أن حماس بين خيارات البقاء في المشهد السياسي والتي تتطلب تغييراً جذرياً في منهجها وبالتالي على الحركة أن تطيح بالإيديولوجيا التي هي الثقل الأكبر الذي تحمله حركة حماس، فإذا ما تخلت عن هذه الإيديولوجيا فإلى أين ستسير الأمور.

اغتيال إسماعيل هنية ومن قبله أبرز قادة غزة العسكريين له رمزية هامة لأن الاغتيال جاء في لحظة المفاوضات الحاسمة بين حماس وإسرائيل، من جانب، وبين محاولة ترميم المشهد الفلسطيني من جانب آخر، وهو ما سيجعل الحركة بين عقدة البحث عن جغرافيا آمنة، وبرنامج سياسي مقبول، مع التذكير بأن أوسلو لم يأت بعد الخروج من بيروت مباشرة، ولكن صنعته انتفاضة الحجارة السلمية والتي نتجت عنها نقطة البدء التي أدت إلى أوسلو، وبالتالي فإن الجغرافيا الفلسطينية كانت ممهدة للمشهد السياسي الذي جاء بالسلطة الفلسطينية، بينما في حالة حركة حماس كيف يمكن أن تكون نقطة البدء في المستقبل؟

تبقى مسألة الرد الإيراني وحرب حزب الله فكل هذه ستنتهي إلى معادلة واحدة، وهي انحسار الدور الإيراني ودور حزب الله في المشهد الفلسطيني القادم.

شاهد أيضاً