ما على فتح وما لها في هذه المرحله

بقلم :م.محمد العايدي

بعد أن توقفت الحرب المدمرة على غزة، وأُسدلت الستارة مؤقتًا على مشهد الدم والدمار، تقف حركة التحرير الوطني الفلسطيني – فتح أمام مرحلة جديدة من تاريخها الطويل والعميق في وجدان الشعب الفلسطيني.
نحن الفتحاويين، أبناء هذه الحركة العملاقة، مدعوون اليوم لأن نراجع أنفسنا بصدق، ونقف أمام تجربتنا النضالية العظيمة لا لننكرها، بل لنحميها ونُعيد إليها وهجها الذي أحبّه الناس واحتضنه الوطن.

فتح ومسؤولية المرحلة:

ليس من المبالغة القول إنّ ما بعد الحرب على غزة يختلف عمّا قبلها. فالمعادلة تغيّرت، والوعي الشعبي ارتفع، والشارع الفلسطيني أصبح أكثر تطلعًا إلى من يُمثله ويدافع عنه دون تردد أو حسابات.
وعلينا كفتحاويين أن نُدرك أنّ مكانتنا التاريخية لا تُعطينا امتيازًا، بل تُحمّلنا مسؤولية وطنية مضاعفة. ففتح التي أطلقت الرصاصة الأولى، وقدّمت الشهداء والقادة، هي نفسها التي يجب أن تُطلق اليوم رصاصة الوعي والتنظيم والإصلاح.

على فتح أن تعترف بشجاعة أنّ داخلها بحاجة إلى ترتيبٍ وتجديدٍ وإحياءٍ من القاعدة إلى القمة.
علينا أن نفتح الأبواب أمام الطاقات الجديدة، وأن نُعيد الاعتبار إلى التنظيم القاعدي الذي كان سرّ قوة الحركة وأساس التفاف الجماهير حولها.
لكن في الوقت ذاته، لفتح ما يُشرفها وما يُلهمها — تاريخٌ عريق، وشهداء أبرار، وتراثٌ من الوطنية الجامعة لا يملكه أحد سواها.

المرحلة القادمة ليست مرحلة البيانات ولا المناصب، بل مرحلة الكادر الميداني الذي يعيش بين الناس ويشعر بنبضهم.
على كوادر فتح في الوطن والشتات أن يتحركوا بوعي ومسؤولية لإعادة بناء الجسور مع الشارع الفلسطيني، وخاصة مع الشباب الذين يتطلعون إلى حركة تمثل طموحهم وتحمل أوجاعهم.

علينا أن نعود إلى المخيم، إلى الجامعة، إلى المصنع والمدرسة؛ هناك تُبنى فتح، وهناك تُصان مكانتها.
الكادر الفتحاوي هو صوت الميدان، لا صدى المكاتب، ومنه تبدأ مسيرة التصحيح

فتح لا تُستعاد بخطابات ولا بقرارات ، بل بالاقتراب من الناس كما كانت دومًا.
حين يشعر الفلسطيني في غزة أو الضفة أو الشتات أن فتح تقف معه، تُدافع عن حقه وتتبنى همه، فإنها ستعود لتكون خياره الأول.
يجب أن نعيد روح الفتح التي توحد ولا تُفرّق، التي تُسامح ولا تُقصي، والتي تؤمن أن فلسطين أكبر من الجميع، وأن الوحدة الوطنية ليست شعارًا بل واجبًا مقدسًا.

الحديث عن الوحدة ليس ترفًا تنظيميًا، بل قضية مصير.
فتح القوية هي فتح الموحدة، وفتح المتصالحة مع نفسها.
علينا أن نُطلق عملية إصلاح شاملة تشمل الأقاليم والمفوضيات، وأن تُعقد المؤتمرات التنظيمية في كل الساحات، لنعيد القرار إلى الميدان ونفرز قيادات تعبّر عن القاعدة وتعمل من أجلها.

الإصلاح لا يعني الانقسام، بل هو عودة إلى الجذور التي جعلت من فتح بيتًا لكل الفلسطينيين.

فتح لم تُولد لتكون حزبًا في سلطة، بل حركة تحرر وطني.
صوتها يجب أن يبقى صوت المقاومة والكرامة، لا صوت المكاتب والبروتوكولات.
نريد لفتح أن تعود كما كانت: ضمير فلسطين، ولسان حالها، والمظلة التي تجمع كل أبنائها في الوطن والشتات.

ختامًا: من أجل فتح… من أجل فلسطين

نحن اليوم أمام لحظة صدق تاريخية؛ إما أن نُصلح بيتنا بأيدينا، أو نترك الآخرين يكتبون لنا مستقبلنا.
فتح التي حملت همّ فلسطين منذ 1965 ما زالت قادرة على النهوض، إذا صدقت النية وتوحد الصف.
ومن هنا نقول: فتح باقية ما بقي الإيمان بفلسطين، وما بقي فينا نبضٌ يرفض الانقسام وينادي بالوحده والحريه