السياسي – بعد مرور سنة على سقوط نظام بشار الأسد في سوريا، تتزايد الأسئلة حول مصير أبرز أركان حكمه المتهمين بارتكاب انتهاكات واسعة بحق ملايين السوريين خلال 14 عاماً من الحرب.
ووفق تحقيق لصحيفة «نيويورك تايمز»، فإن 55 من كبار المسؤولين والضباط في النظام السابق فرّوا من البلاد بطرق متعددة، وإن عدداً كبيراً منهم استقر في روسيا.
كان من بين الفارين قائد «الفرقة الرابعة» ماهر الأسد ومدير استخبارات سلاح الجو السوري قحطان خليل، المتَّهَم بالمسؤولية المباشرة عن واحدة من أكثر المجازر دموية في الحرب الأهلية. ولحق به علي عباس وعلي أيوب، وهما وزيرا دفاع سابقان يخضعان لعقوبات بسبب انتهاكات لحقوق الإنسان وجرائم ارتُكبت خلال سنوات النزاع ورئيس هيئة الأركان عبد الكريم إبراهيم المتهم بتسهيل عمليات تعذيب وعنف جنسي ضد المدنيين ورئيس شعبة الاستخبارات العسكرية كمال الحسن ومدير مكتب الأمن الوطني علي المملوك واللواء بسام الحسن المتهم بالإشراف على الهجمات الكيميائية واختطاف الصحافي الأميركي أوستن تايس ومدير المخابرات العامة حسام لوقا.
-ماهر الأسد
كان ماهر الأسد، قائد «الفرقة الرابعة» التي تُعدّ من أكثر وحدات النظام رهبة، يسابق الوقت لترتيب عملية فراره. وبحسب اثنين من المقرّبين، اتصل ماهر بصديق للعائلة وأحد رجال الأعمال المقرّبين منه، محذّراً إياهما من البقاء في منزليهما، وداعياً إلى الخروج فوراً وانتظاره في الخارج. وبعد دقائق، ظهر بسيارته المسرعة في الشارع، وتوقّف للحظات لاصطحابهما قبل أن ينطلق بهما بسرعة للحاق برحلته إلى موسكو. ووفق الصحيفة، يعيش ماهر الأسد حياة مترفة في منفاه، برفقة بعض قادته الكبار السابقين مثل جمال يونس.
-كمال الحسن
يُتهم كمال الحسن، الذي تولّى رئاسة شعبة الاستخبارات العسكرية، بالإشراف على حملات اعتقال واسعة وتعذيب وإعدام معتقلين. غير أن عملية فراره لم تسر بسهولة. فقد أُصيب خلال تبادل لإطلاق النار مع مقاتلين من المعارضة أثناء محاولته مغادرة منزله في ضاحية قرب دمشق كانت تُعرف سابقاً بـ«قرى الأسد»؛ المنطقة التي أقام فيها عدد من كبار مسؤولي النظام في فلل فخمة. ووفق الصحيفة، اضطر الحسن إلى الانتقال متخفّياً من منزل إلى آخر قبل أن يتمكن في النهاية من الوصول إلى السفارة الروسية التي وفّرت له الحماية.
-علي المملوك
ولجأ مسؤول آخر إلى السفارة الروسية هو علي مملوك، المدير السابق لمكتب الأمن الوطني، والذراع الأبرز في بناء منظومة الاعتقال والتعذيب والإخفاء القسري التي طبعت عقود حكم آل الأسد. وقال صديق مقرّب منه وأحد أقاربه إن مملوك علم بانهيار النظام عند الرابعة فجراً عبر اتصال هاتفي. وحين حاول اللحاق بمسؤولين آخرين في طريقهم إلى المطار، تعرّض موكبه لكمين. ورغم عدم التأكد من الجهة التي هاجمته، فإن مصادره قالت إن «أعداءه كُثر».
ومملوك، الذي خدم مع الرئيس السوري السابق حافظ الأسد ثم مع بشار الأسد، كان يُنظر إليه باعتباره «الصندوق الأسود للنظام». وقال أحد أصدقائه: «لم يكن فقط شاهداً على كل شيء… كان يعرف كل شيء».
وتقول ثلاثة مصادر مطلعة إن مملوك تمكن من الفرار دون إصابة، ووصل إلى السفارة الروسية. وهناك بقي مع كمال الحسن إلى أن نظّم الجانب الروسي موكباً محمياً نقلهما إلى قاعدة حميميم، قبل أن يغادرا لاحقاً إلى روسيا.
-بسام الحسن
نجح اللواء بسام الحسن في الهرب دون أن يلفت الأنظار، رغم أنه كان نائماً خلال الساعات الأولى المضطربة من سقوط النظام. وتقول ثلاثة مصادر مطّلعة إن أحد كبار قادته أيقظه قبل الخامسة فجراً بقليل لتنبيهه إلى انهيار الوضع.
وبحسب مصدرين على دراية بتفاصيل فراره، سارع حسن إلى تجهيز موكب من ثلاث سيارات تقلّ زوجته وأولاده البالغين وحقائب مكدّسة بالأموال. وكان قلقه من التعرّض لهجوم كبيراً إلى حد أنه وزّع أفراد أسرته على سيارات مختلفة، لضمان عدم إصابتهم جميعاً في حال تعرضت إحدى المركبات لكمين.
وعندما اقترب الموكب من مدينة حمص، على بعد نحو 160 كيلومتراً شمال دمشق، أوقف مقاتلون السيارة الأولى، وهي رباعية الدفع، وأجبروا زوجة حسن وابنته على النزول منها، آمِرين بترك كل ما بحوزتهما داخل السيارة، بما في ذلك الحقائب اليدوية، وفق شهادة أحد الحاضرين. ويبدو أن المقاتلين اكتفوا بالغنيمة، إذ لم ينتبهوا إلى أن المرأتين استقلّتا السيارة الثانية التي كان يجلس فيها أحد أبرز رجال النظام سمعةً ورُعباً.
وبعد تجاوزه الحاجز، تمكّن حسن من الوصول إلى لبنان ثم إلى إيران بمساعدة مسؤولين إيرانيين.
وبحسب «نيويورك تايمز»، عاد الحسن لاحقاً إلى بيروت في إطار صفقة يزوّد بموجبها أجهزة الاستخبارات الأميركية بمعلومات. ويقول مقربون إنه يمضي وقته حالياً في المقاهي والمطاعم الراقية برفقة زوجته.
-حسام لوقا
وقال صديق مقرّب من لوقا إنه اتصل به مراراً ليلة 7 ديسمبر للاطمئنان على الوضع، وكان يتلقى في كل مرّة تطمينات بأن «لا شيء يدعو للقلق». ولكن عند الثانية فجراً، أجاب لوقا على الهاتف على عجل ليقول فقط إنه «يجهّز نفسه للفرار».
وبعد ساعة، دخل ضباطه إلى مكتبه ليكتشفوا أنه غادر دون أن ينبس بكلمة، وأنه – وخلال خروجه – أمر محاسب الجهاز بفتح خزنة المقر، وفق ما أفاد به أحد ضباطه الذين حضروا الواقعة. وقد أخذ لوقا كل ما في داخلها من أموال، والتي قُدّرت بنحو 1.36 مليون دولار. وتقول ثلاثة مصادر من مسؤولين سابقين في النظام إنهم يعتقدون أن لوقا وصل إلى روسيا منذ ذلك الحين.






