إعلان الرئيس رونالد ترامب وقف إطلاق النار بين إيران و”إسرائيل” بدون فرض شروط الاستسلام على إيران، يُعدّ تراجعًا واضحًا عن المواقف السابقة التي تبنّاها منذ بداية العدوان الإسرائيلي–الأمريكي المشترك.
دوافع هذا الإعلان تأتي بعد فشل المنظومة الدفاعية الإسرائيلية في صدّ الصواريخ والطائرات المسيرة الإيرانية، حيث تمكّنت الهجمات الإيرانية من الوصول إلى مناطق استراتيجية داخل فلسطين المحتلة.
ورغم قيام “إسرائيل” بمنع الصحفيين ووسائل الإعلام من تغطية الأهداف التي طالها القصف الإيراني، إلا أن حجم الخسائر داخل الكيان الصهيوني كان كبيرًا جدًا، ما دفع حكومة نيتنياهو إلى الاستجداء لوقف الحرب.
ورغم المشاركة المباشرة للإدارة الأمريكية، وتقديمها الدعم الكامل لـ”إسرائيل” في هذا العدوان، فإن الخسائر الفادحة التي لحقت بالجانب الإسرائيلي، وفشل أنظمة الدفاع الجوي في التصدي للصواريخ الإيرانية، دفعت تل أبيب إلى القبول بوقف إطلاق النار، بل السعي له.
وبلا شك، فإن إيران نفسها تكبّدت خسائر كبيرة، على الصعيدين البشري والعسكري، من مواطنين وعلماء وقيادات بالحرس الثوري، بالإضافة إلى استهداف مواقع عسكرية حساسة.
بعد فشل محاولات إسقاط النظام الإيراني، التي بدأت مع العدوان الإسرائيلي واغتيال شخصيات رئيسية، سعى ترامب إلى فرض شروط استسلام على إيران كشرط لوقف إطلاق النار.
لكن المفاوض الإيراني عرقجي، خلال محادثاته في جنيف، رفض هذه الشروط الأوروبية والأمريكية، خاصة تلك المتعلقة بالتخلي عن البرنامج النووي ووقف تخصيب اليورانيوم.
وفي مؤتمر صحفي عقب لقائه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ووزير الخارجية التركي، عبّر عرقجي عن ثبات الموقف الإيراني، وأكّد على حق إيران في تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية.
كما اختتم زيارته إلى موسكو بلقاء مع الرئيس فلاديمير بوتين، الذي جدد موقف روسيا الثابت في دعم حق إيران النووي، وأكّد أن تخصيب اليورانيوم لأغراض سلمية لا يشكل تهديدًا.
الاتصالات السرية بين بوتين وترامب، بالإضافة إلى مواقف داعمة من الصين، كوريا الشمالية، باكستان، وحتى بعض دول مجلس التعاون الخليجي – أبرزهم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان – ساهمت في تحميل “إسرائيل” مسؤولية العدوان، وساهمت في وقف التصعيد.
في الأيام القادمة، من المتوقع أن تنطلق مفاوضات دولية جديدة تتعلق بحق إيران في تخصيب اليورانيوم، وربما يشهد العالم تعليق إيران لتعاونها مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية في حال استمرار الضغوطات.
تراجع ترامب عن شروط الاستسلام، جاء نتيجة عدم قدرة إسرائيل على الاستمرار في الحرب بسبب الخسائر الكبيرة، ومن المتوقع أن تحاول الإدارة الأمريكية و”إسرائيل” الترويج إعلاميًا بأن الخطر الإيراني قد زال بعد قصف الطائرات الأمريكية لثلاثة مواقع محصنة داخل إيران.
لكن الواقع يُظهر أن “إسرائيل” كيان هش وضعيف، وأن صورة تفوقها العسكري قد تزعزعت تمامًا، وستتضح الحقائق أكثر أمام الرأي العام العالمي بعد وقف إطلاق النار.