مجلة أمريكية: حرب إبادة غزة لم تنتهِ بل تغيّر شكلها

السياسي – أكدت مجلة The Nation الأمريكية أن حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة لم تنتهِ بل تغيّر شكلها فحسب، مشددة على أن وقف إطلاق نار حقيقي يعني فتح الحدود، وإعادة بناء ما دُمّرَ، وعودة الحياة إلى طبيعتها. لكن هذا لا يحدث.

وأشارت المجلة إلى أنه عندما توقف تساقط القنابل بلا هوادة على غزة، بدا الصمت الذي أعقبه لعدة أيام غريبًا حيث لم يكن سكان القطاع معتادين عليه بعد عامين من الاستيقاظ على أصوات القصف والنوم في ظله.

وأبرزت أنه بعد عامين من الإبادة الجماعية، لم تُنهِ صفقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المعاناةَ تمامًا، وإن كانت قد خففت من حدتها.

ولفتت إلى أنه منذ دخول الهدنة حيز التنفيذ في 11 أكتوبر/تشرين الأول، استشهد ما لا يقل عن 357 مواطنا، وجُرح أكثر من 900 آخرين، معظمهم جراء القصف الإسرائيلي.

ويُطلق العالم على هذا “السلام”، لكن في الواقع، لا يعني “السلام” هنا نهاية أي شيء؛ فالجوع والخوف والموت لا يزالان قائمين، بينما يواصل الاحتلال خنق غزة بالمعابر والقيود والعرقلة المتعمدة للتعافي.

-تشديد حصار غزة

بعد الانسحاب الجزئي للقوات الإسرائيلية بموجب الاتفاق، لم يعد هناك حاجة إلى تنسيق للحركة الإنسانية. ومع ذلك، لا تزال دولة الاحتلال تسيطر على المعابر، وحركة القوافل، ووتيرة دخول المساعدات. ولا تزال كل شاحنة، وكل نقلة مريض، وكل قطعة من معدات البناء تتطلب موافقة إسرائيلية.

ويجعل هذا الحصار الخانق التعافي المستدام مستحيلاً. وتعجز فرق الإغاثة الإنسانية عن انتشال الجثث أو إزالة الأنقاض بسبب النقص الحاد في المعدات الثقيلة والمتخصصة.

في هذه الأثناء، ومع إغلاق دولة الاحتلال للمعابر وتهديدها بتجدد المجازر الجماعية، يُقدّر الدفاع المدني الفلسطيني وجود حوالي 10,000 جثة عالقة تحت الأنقاض. وقد حُرمت العائلات من فرصة توديع أحبائها أو دفنهم في مقابر لائقة، في حين تغضّ وسائل الإعلام والعالم الطرف عن ذلك.

وبعد وقف إطلاق النار، عاد الكثيرون إلى مناطقهم التي كانوا يقطنونها سابقًا. عاد بعضهم دون أن يعرفوا إن كانوا داخل ما يُسمى “الخط الأصفر” – وهي مناطق سيطر عليها الجيش الإسرائيلي، وغطت حوالي 58% من القطاع بعد وقف إطلاق النار.

بينما وجد آخرون منازلهم مدمرة، فقرروا البقاء في الجنوب، مقيمين في خيام متداعية لا تقيهم البرد ولا المطر.

وبعد موجة الإخلاء الأخيرة، انتقل العديد من السكان إلى مدينة غزة والمناطق الشمالية. ولوحظ نزوح ما يقرب من 500 ألف شخص من الجنوب إلى الشمال، إما للزيارة أو كنازحين عائدين إلى ديارهم.

ووفقًا لبرنامج الغذاء العالمي، لا تزال الأوضاع في المناطق الجنوبية بالغة الصعوبة، حيث لا يزال الحصول على الغذاء والمياه النظيفة محدودًا للغاية. لم تعد الخيام التي يعيش فيها الكثير من الناس “ملاجئ مؤقتة”.

وحتى إدخال الهياكل الجاهزة أو المعدات اللازمة لإزالة الأنقاض يُمنع من قِبل الاحتلال الإسرائيلي. وتعتمد معظم العائلات النازحة كليًا على المساعدات التي تصل ببطء شديد لتلبية احتياجاتها.

-قيود على الإمدادات الإنسانية

منذ العاشر من أكتوبر/تشرين الأول، لم يُسمح إلا لنحو 150 شاحنة فقط، محملة بالبضائع التجارية والمساعدات، بدخول غزة يوميًا، أي ما يعادل 24% فقط من أصل 600 شاحنة متفق عليها بموجب الهدنة.

ويُعزى هذا النقص إلى القيود الإسرائيلية المفروضة على الأعداد والمعابر، حيث تُحوّل جميع الشاحنات عبر معبر كرم أبو سالم، وهو طريق غير مناسب للنقل واسع النطاق، إذ تُسبب طرقه الضيقة وازدحامه الشديد مزيدًا من التأخير. كما ارتفعت أسعار مواد مثل الغاز وبعض أنواع الأخشاب ارتفاعًا هائلًا.

وتتعامل دولة الاحتلال مع المساعدات الإنسانية كأداة ضغط، لا كحق. تصل المساعدات مجزأة، متأخرة، وأحيانًا تقترب من انتهاء صلاحيتها أو تفسد. كل هذا أبقى أسعار المواد الغذائية الأساسية كالخضراوات واللحوم والدجاج مرتفعة للغاية.

وحتى لو لم تصل الأسعار إلى المستويات الباهظة التي شهدتها قبل وقف إطلاق النار، فإنها لا تزال بعيدة عن متناول المواطن الغزي العادي، الذي فقد فرص العمل لما يقرب من عامين ويكاد ينعدم دخله.

كما أن معظم الشاحنات التي وصلت خلال هذه الفترة كانت محملة بالشوكولاتة والوجبات الخفيفة، وهي ليست مواد أساسية للمرضى وكبار السن، كالبيض وكميات كبيرة من الأطعمة المجمدة والخضراوات، مما كان من الممكن أن يساهم في خفض الأسعار بشكل كبير.

بالنسبة للكثيرين، لم يجلب وقف إطلاق النار راحةً، بل كشف عن قسوة ترك الناس يواجهون مصيرهم وحدهم. يشعر الكثيرون الآن أن هذه المعاناة هي قدرهم، وليست واقعًا سيتغير قريبًا.

الأكثر تضررًا هم المرضى حيث الأزمة الصحية ليست أقل مأساوية. وفقًا لمنظمة الصحة العالمية ، يحتاج أكثر من 16500 شخص، بمن فيهم آلاف الأطفال، إلى رعاية طبية عاجلة غير متوفرة في غزة.

ومع ذلك، فإن أول إجلاء طبي بعد إعلان وقف إطلاق النار شمل 41 مريضًا و145 مرافقًا فقط. ولا يزال آلاف الجرحى دون علاج، والمستشفيات مثقلة، والعديد من المرافق تعمل بدون كهرباء أو صرف صحي أو أدوية كافية.

ويعاني الطاقم الطبي في غزة من إرهاق شديد بعد عامين كاملين من العمل الدؤوب ليلًا ونهارًا. يُجبر نقص التخصصات، مثل طب الأعصاب وجراحة العظام، المستشفيات على محاولة إنقاذ الأرواح ريثما يُتاح الإجلاء العلاج المناسب. ويتأرجح قطاع الصحة بين من يتلقى الرعاية ومن يُجبر على الانتظار – أو الموت فيما دولة الاحتلال هي من تُقرر من ينجو.

والحقيقة بسيطة: حُرمت غزة من حقها في الشفاء. لا تزال الأنقاض باقية، والمرضى يعانون، والأسرى لم يعودوا إلى ديارهم، وقبضة الاحتلال تشتد حتى في أوقات “السلام”. وقف إطلاق نار حقيقي يعني فتح الحدود، وإعادة بناء ما دُمر، والسماح بعودة الحياة. لكن هذا لا يحدث. ما نراه هو جمود مُدبّر – عقاب مُقنّع في صورة هدوء.

وبعد قرابة شهرين من وقف إطلاق النار، لا تزال غزة عالقة في حالة من الغموض. تنتظر المساعدات وأن يرى العالم أن الإبادة الجماعية لم تنتهِ، بل تغيرت فقط، وأصبحت أكثر هدوءًا: إبادة جماعية بلا انفجارات أو عناوين رئيسية. إبادة جماعية لأحلام الفلسطينيين، ولقدرتهم على البقاء والتعافي على أرضهم.