مجلس الأمن ودولة فلسطين

د. أحمد يوسف أحمد

في 18 أبريل الجاري استخدمت الإدارة الأميركية حق النقض (الفيتو) ضد المشروع الذي تقدمت به الجزائر لمجلس الأمن لإصدار توصية للجمعية العامة بقبول العضوية الكاملة لدولة فلسطين بالأمم المتحدة، وهو القبول الذي يتطلب أولاً توصيةَ المجلس ثم موافقة الجمعية بأغلبية الثلثين. وليست هذه المرة الأولى التي يُناقَش فيها هذا الموضوع في الأمم المتحدة، ففي سبتمبر 2011 قدّمت السلطة الفلسطينية طلباً مماثلاً لم تتم الموافقة عليه بطبيعة الحال، وإنما وافقت الجمعية العامة في السنة التالية (2012) على منح فلسطين وضع الدولة المراقب، وهو الوضع الذي تتمتع به حتى الآن. غير أن موضوع الدولة الفلسطينية يمكن أن يُرد إلى قرار التقسيم الصادر في نوفمبر 1947 والقاضي برسم مستقبل فلسطين على أساس إقامة دولتين إحداهما يهودية والأخرى عربية، مع الاحتفاظ بوضع دولي خاص للقدس، نظراً لدلالتها بالنسبة للأديان السماوية الثلاثة. وقد يُقال إن العرب في حينه رفضوا هذا القرار، وهذا صحيح على أساس أن المواقف العربية في حينه كانت تتمحور حول استقلال فلسطين كدولة واحدة، كغيرها من الأقاليم التي خضعت للاستعمار، ولم تكن تتمتع بالحكم الذاتي، غير أن مياهاً كثيرة جرت في النهر، وتغير النهج العربي تدريجياً بعد حرب عام 1967 باتجاه قبول دولة إسرائيل في حدود ما قبل الحرب، شريطةَ انسحابها من الأراضي العربية التي احتلتها في تلك الحرب. وكان أول مؤشر في هذا السياق هو قبول الرئيس جمال عبد الناصر، في نوفمبر1967 قرارَ مجلس الأمن 242 الذي نصت ديباجته على عدم جواز اكتساب الأراضي بالقوة المسلحة من جانب، وعلى حق جميع دول المنطقة في العيش داخل حدود دائمة وآمنة ومعترف بها من جانب آخر. وتأكد هذا الاتجاه بالمبادرة التي وافقت عليها قمة فاس عام 1982، والقاضية بقبول السلام مع إسرائيل بشرط استجابتها للمطالب العربية. وتأكد الموقفُ ذاتُه في المبادرة التي أقرتها قمة بيروت في عام 2002، والتي زادت على مبادرة فاس بالنص على أن استجابة إسرائيل للمطالب العربية سوف يترتب عليها تطبيع كامل للعلاقات بين كافة الدول العربية وإسرائيل.
ثم بدا أن ثمة نقلة نوعية قد حدثت في موضوع الدولة الفلسطينية بقرار مجلس الأمن 1515 الصادر في 19 نوفمبر 2003 بالإجماع، بتأييد خريطة الطريق للسلام التي اقترحتها المجموعة الرباعية الدولية المعنية بالشرق الأوسط، والتي كانت الإدارة الأميركية آنذاك هي المبادِرة بها. وينص القرار الذي تقدمت روسيا بمشروعه على قيام دولة فلسطينية بحلول عام 2005 مقابل ضمانات أمن لإسرائيل. لكن مياه الدولة الفلسطينية ظلت راكدة، رغم محاولات الرئيس بوش الابن، وكان آخرها عقد مؤتمر أنابوليس في نوفمبر 2007، أي في الأسابيع الأخيرة من ولايته، وبعدها تكفل تغيير القيادات الأميركية والإسرائيلية (وبالذات في اتجاه عودة صعود اليمين الإسرائيلي للحكم) بتجميد مسار الدولة الفلسطينية رغم كل ما جرى من محاولات. واللافت للنظر هنا أن الحجةَ الرئيسية لدى المندوب الأميركي في جلسة مجلس الأمن الأخيرة، لتبرير رفض بلاده قبولَ العضوية الكاملة لفلسطين، أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة يجب أن يكون من خلال مفاوضات مباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، رغم مضي أكثر من 30 سنة من المفاوضات دون جدوى، وفي الوقت الذي لا تعترف فيه الحكومة الإسرائيلية الحالية بأي دور لهذه السلطة! ولم يهتم هذا المندوب بالحديث عن إيجاد الظروف المواتية للمفاوضات، في إشارة واضحة لعدم الجدية في تناول الموضوع.

* نقلا عن “الاتحاد”

شاهد أيضاً