السياسي – نشرت صحيفة “نيويورك تايمز” مقالاً للمحللة في شؤون إسرائيل بمجموعة الأزمات الدولية، ميراف زونسزين، قالت فيه إن مسؤولاً إسرائيلياً لم يُكشف عن هويته صرّح لموقع “أكسيوس”، عقب الهجوم الإسرائيلي على قادة حماس في الدوحة بقطر في 9 أيلول/سبتمبر، بأن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قد “أُغرم بدور البلطجي الإقليمي لدرجة أنه لا يمكن لأحد توقع خطوته التالية”.
وترى الكاتبة أن إسرائيل برهنت خلال العامين الماضيين على قدراتها الاستخباراتية الفائقة واستعدادها لضرب أي مكان في المنطقة – بما في ذلك قطر، الدولة غير المعادية التي تعمل كوسيط وحليف لأكبر رعاة إسرائيل. والأكثر من ذلك، أنها أقدمت على ذلك في خضم مفاوضات تهدف إلى إنهاء الحرب في غزة وإعادة الأسرى الإسرائيليين.
وتشير زونسزين إلى أنه منذ هجمات حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، ركزت إسرائيل ظاهرياً على إعادة ترسيخ أمنها عبر استعادة الردع وتفكيك قدرات خصومها العسكرية، مع الاستعداد لحرب دائمة غيّرت المجتمع الإسرائيلي وديناميكيات القوة في المنطقة. فقد أصبحت إسرائيل جريئة لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها، واستمرت في استخدام القوة دون أي انخراط فعّال في الدبلوماسية.
وتوضح أن أبرز مثال على ذلك هو تدمير غزة، الذي جعل القطاع غير صالح للحياة إلى حد كبير، كما أعلن بعض أعضاء الحكومة الإسرائيلية صراحة. وترى أن اقتراح دونالد ترامب الأخير لإنهاء الحرب – وهو أقرب إلى إنذار نهائي لحماس منه إلى خطة سلام – قد يضع حداً لإراقة الدماء ويمنح فرصة للتعافي، شريطة وجود ضغط أمريكي مستمر على كل من إسرائيل وحماس.
وقد تبنّى نتنياهو خطة ترامب واعتبرها انتصاراً، لكن المكاسب الأمنية التي تحققت تبقى هشة، وقد تتعمق عزلة إسرائيل الدولية إن لم تغيّر من عقيدتها الحربية. وتشدد الكاتبة على أن الإسرائيليين أنفسهم يجب أن يقلقوا من هذا المسار، إذ حتى لو انتهت الحرب، فستكون هناك حاجة إلى لحظة لمحاسبة الذات حول مسؤولية المجتمع عن سنوات القتل والتهجير. فالفلسطينيون بحاجة ماسة لإنهاء الحرب، وكذلك الإسرائيليون.
وتضيف أن فشل الهجوم الإسرائيلي في الدوحة – الذي استهدف قلب الخليج حيث تحتمي إسرائيل باتفاقيات إبراهيم – جاء بنتائج عكسية ودفع إلى ضغوط متزايدة على نتنياهو لتلبية مطلب ترامب بإنهاء الحرب. كما أن الهجوم الأخير على غزة خالف إرادة كثير من العسكريين والإسرائيليين، وساهم في تشكيل إجماع عالمي متزايد على أن حملة إسرائيل في غزة ترقى إلى الإبادة الجماعية. وظهرت عزلة إسرائيل الدبلوماسية بوضوح في الأمم المتحدة، حيث خاطب نتنياهو قاعة شبه فارغة بعدما اعترفت دول غربية كبرى بدولة فلسطين.
وترى الكاتبة أن استراتيجية إسرائيل أفرزت بعض الانتصارات التكتيكية، مثل إضعاف حماس وتوجيه ضربات قاسية لحزب الله والمساهمة في سقوط نظام بشار الأسد. غير أن حربها في إيران لم تحقق أهدافها في القضاء على البرنامج النووي الإيراني، رغم أنها أظهرت جرأتها في الضرب داخل العمق الإيراني. لكن في كل مرة، بدلاً من استثمار هذه المكاسب باتجاه السلام، ضاعفت إسرائيل مسار الحرب حتى ضد مصالحها.
وتشير إلى أن المبعوث الأمريكي توم باراك قال إن “حزب الله لا يملك أي حافز للتخلي عن ترسانته عندما تهاجم إسرائيل الجميع”. فعندما دخل وقف إطلاق النار بوساطة أمريكية حيز التنفيذ بداية العام، كان بإمكان إسرائيل اغتنام الفرصة لاستعادة الاسرى وتحسين بيئتها الأمنية، لكنها خرقت الهدنة وعمّقت المجاعة في غزة.
وفي سوريا، بعد سقوط الأسد، واصلت إسرائيل ضرباتها لتعطيل القدرات العسكرية وتدمير مواقع الأسلحة الكيميائية المشتبه بها، واحتلت مواقع داخل البلاد، مانعة الحكومة الجديدة من بسط سيطرتها على المناطق الدرزية. وتشير الكاتبة إلى أن هذه التحركات، حتى لو كانت مؤقتة، لا تفسر استفزاز وزير الدفاع إسرائيل كاتس عندما نشر صورة له من جبل الشيخ وكتب: “لن نخرج من هنا”.
وترى زونسزين أن النصر بالنسبة لإسرائيل لا يشكل نهاية للصراع، بل بداية لجولة جديدة من القتال، ما يجعلها “مقاتلة دائمة” لا تعرف التوقف. وفي خطابه الأخير الذي عُرف بـ”السوبر إسبرطة”، قارن نتنياهو إسرائيل بمدينتي أثينا وإسبرطة، معترفاً بعزلتها المتزايدة وحاجتها للاعتماد على ذاتها، في محاولة لتطبيع هذه العزلة.
وتختم الكاتبة بأن استراتيجية نتنياهو ليست مجرد انعكاس لهوسه بالبقاء السياسي، بل لثقافة أوسع داخل المجتمع الإسرائيلي ترى الأمن في الهيمنة والخوف الدائم. غير أن الواقع، كما تقول، هو أن إسرائيل لن تعرف الأمن الحقيقي ما لم يشعر به الجميع من حولها، وليس دولة واحدة فقط.